وفي ذلك تصبير له وتأسية فيكون ضرب المثل له صلى الله عليه وسلم. والمعنيان مرادان مرتبطان بما قبلهما أجل ارتباط وأحسنه. جاء في التفسير الكبير في قوله: (واضرب لهم مثلاً) "وفيه وجهان والترتيب ظاهر على الوجهين: الوجه الأول هو: أن يكون المعنى واضرب لأجلهم مثلاً والثاني: أن يكون المعنى واضرب لأجل نفسك أصحاب القرية لهم مثلاً أي مثّلهم عند نفسك بأصحاب القرية. التفريغ النصي - تفسير سورة يس [13-19] - للشيخ المنتصر الكتاني. وعلى الأول نقول لما قال الله: (إنك لمن المرسلين) وقال: (لتنذر) قال: قل لهم: (ما كنت بدعاً من الرسل) بل قبلي بقليل جاء أصحاب القرية مرسلون وأنذروهم بما أنذرتكم وذكروا التوحيد وخوفوا بالقيامة وبشروا بنعيم دار الإقامة. وعلى الثاني نقول: لما قال الله تعالى إن الإنذار لا ينفع من أضلّه الله وكتب عليه أنه لا يؤمن قال للنبي عليه الصلاة السلام: فلا تأس واضرب لنفسك وقومك مثلاً أي مثّل لهم عند نفسك مثلاً حيث جاءهم ثلاثة رسل ولم يؤمنوا وصبر الرسل على القتل والإيذاء وأنت جئتهم واحداً وقومك أكثر من قوم الثلاثة فإنهم جاؤوا قرية وأنت بُعثت إلى العالم". جاء في روح المعاني: "فالمعنى على الأول: اجعل أصحاب القرية مثلاً لهؤلاء في الغلو في الكفر والإصرار على التكذيب أي طبق حالهم بحالهم على أن (مثلا) مفعول ثان لـ ( اضرب) و (أصحاب القرية) مفعوله الأول أُخر عنه ليتصل به ما هو شرحه وبيانه.
ص530 - كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح - باب واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا - المكتبة الشاملة
هذا قول الطبري. وقال غيره: شمعون ويوحنا. وحكى النقاش: سمعان ويحيى ، ولم يذكرا صادقا ولا صدوقا. ويجوز أن يكون مثلا و " أصحاب القرية " مفعولين ل اضرب ، أو " أصحاب القرية " بدلا من مثلا ، أي: اضرب لهم مثل أصحاب القرية ، فحذف المضاف. أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بإنذار هؤلاء المشركين أن يحل بهم ما حل بكفار أهل القرية المبعوث إليهم ثلاثة رسل. قيل: رسل من الله على الابتداء. وقيل: إن عيسى بعثهم إلى أنطاكية للدعاء إلى الله ، وهو قوله تعالى:
تفسير الطبري
القول في تأويل قوله تعالى: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13) يقول تعالى ذكره: ومثل يا محمد لمشركي قومك مثلا أصحاب القرية ، &; 20-500 &; ذُكر أنها أنطاكية ( إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ) اختلف أهل العلم في هؤلاء الرسل، وفيمن كان أرسلهم إلى أصحاب القرية ؛ فقال بعضهم: كانوا رسل عيسى ابن مريم، وعيسى الذي أرسلهم إليهم. ص530 - كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح - باب واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا - المكتبة الشاملة. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ) قال: ذُكر لنا أن عيسى ابن مريم بعث رجلين من الحواريين إلى أنطاكية -مدينة بالروم- فكذبوهما فأعزهما بثالث ( فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ).
التفريغ النصي - تفسير سورة يس [13-19] - للشيخ المنتصر الكتاني
ضرب الله مثلاً لهؤلاء المكذبين برسالته، الرادين لدعوته، مثلا يعتبرون به، ويكون لهم موعظة إن وفقوا للخير، وذلك المثل: أصحاب القرية، وما جرى منهم من التكذيب لرسل اللّه، وما جرى عليهم من عقوبته ونكاله. { وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ}: هي قرية مثل سائر القرى التي أرسل الله لها الرسل فكذبوهم و عاندوهم و حاربوهم و عادوهم، وكان الرد الأول لهم على رسلهم هو الرد البئيس المعتاد لدى سائر المكذبين عبر التاريخ: إن أنتم إلا بشر مثلنا!!!! وكأن الرسل دعوهم لعبادتهم أو ادعوا الإلهية فهم يجيبونهم بما يرد إليهم رشدهم ويذكرونهم بأنهم بشر!!!!! رد يدل على أن أصحابه قليلوا الحيلة و ما يملكون أي إجابة مقنعة لينكروا بها شمس الحقيقة الواضحة. فما كان من المرسلين إلا أن ردوا بكل وضوح: ما نحن إلا مرسلون من الله و كلفنا بأمانة البلاغ، وقد فعلنا و أنتم و شأنكم مع الله. فكان الرد الأكثر شناعة: رؤياكم تبعث في قلوبنا التشاؤم و الاشمئزاز. فكان الرد الأقوى من المرسلين: تشاؤمكم على أنفسكم، فابتعادكم عن خالقكم و أوامره هو الجالب لأكبر شؤم في حياتكم و هو الداعي لأكبر خسارة في دنياكم و أخراكم، بل أنتم قوم مسرفون اشتريتم الدنيا وآثرتموها على الآخرة.
والرجلُ الذي جاء من أقصى المدينة هو: حبيب بن مري، كما قال القرطبي، وكان نجَّارًا، وقيل قصَّارًا، وقال ابن عباس ومجاهد ومقاتل: هو حبيب بن إسرائيل النجَّار وكان ينحت الأصنام، وقال قتادة: كان يعبدُ الله في غار فلمَّا سمعَ بقدوم المرسلين خرجَ يسعى إليهم، فقال لهم: هل تأخذون أجرًا على ما جئتم به؟، قالوا: لا ما أجرنا إلا على الله، فآمن بما جاؤوا به وصدَّقهم، والله تعالى أعلم [٣]. مضامين قصة أصحاب القرية
في قصة أصحاب القرية الكثيرُ من العِبر والفوائد التي يجبُ على المسلمينَ الأخذ بها، فقد ضرب الله تعالى هذه القصة مثلًا حتَّى يأخذَ منهَا النَّاس جميعًا العِبرةَ والعظة، قال تعالى: واضرِب لَهُم مَثلًا أصحَابَ القَريةِ إذ جاءهَا المُرسلونَ" [٤] ، ومن مضامين القصة التي يمكن أن نشيرَ إليها ما يأتي: [٥]
الدعوة إلى الله بجدٍّ واجتهادٍ، والسعي إلى ذلك بكل الوسائل والإمكانيات المتاحة، وهذا يظهر من سعي الرجل من مكانٍ بعيد ليقفَ مع الحقِّ في مواجهة الباطل، قال تعالى: "وجاءَ من أقصَى المَدينة رجلٌ يسعى قالَ يا قَومِ اتَّبعوا المُرسَلِين" [٦]. ترك المكاسب والأجور الدنيوية، وهذا من أسباب قَبول الدعوة التي يدعوها رجالُ الحق، قال تعالى: "اتَّبعُوا مَن لا يَسألُكُم أَجرًا وهُم مهتَدون" [٧].