تاريخ الإضافة: 12/7/2017 ميلادي - 18/10/1438 هجري
الزيارات: 12958
تفسير: (وربك الغني ذو الرحمة إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء)
♦ الآية: ﴿ وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ ﴾. وربك الغني ذو الرحمة إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء - الآية 133 سورة الأنعام. ♦ السورة ورقم الآية: الأنعام (133). ♦ الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي: ﴿ وربك الغني ﴾ عن عبادة خلقه ﴿ ذو الرحمة ﴾ بخلقه فلا يعجل عليهم بالعقوبة ﴿ إن يشأ يذهبكم ﴾ يعني: أهل مكَّة ﴿ ويستخلف من بعدكم ﴾ وينشئ من بعدكم خلقاَ آخر ﴿ كما أنشأكم ﴾ خلقكم ابتداءً ﴿ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ ﴾؛ يعني: آباءهم الماضين. ♦ تفسير البغوي "معالم التنزيل": ﴿ وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ﴾، عَنْ خَلْقِهِ، ﴿ ذُو الرَّحْمَةِ ﴾، قَالَ ابن عباس: بِأَوْلِيَائِهِ وَأَهْلِ طَاعَتِهِ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: بِخَلْقِهِ ذُو التَّجَاوُزِ، ﴿ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ ﴾، يُهْلِكْكُمْ، وَعِيدٌ لِأَهْلِ مَكَّةَ، ﴿ وَيَسْتَخْلِفْ ﴾، ويخلف وينشئ، ﴿ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشاءُ ﴾، خَلْقًا غَيْرَكُمْ أَمْثَلَ وَأَطْوَعَ، ﴿ كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ ﴾، أَيْ: من نسل آبَائِهِمُ الْمَاضِينَ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ.
- وربك الغني ذو الرحمة إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء - الآية 133 سورة الأنعام
وربك الغني ذو الرحمة إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء - الآية 133 سورة الأنعام
[تفسير قوله تعالى: (وربك الغني ذو الرحمة إن يشأ يذهبكم)] ثم قال عز وجل: {وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ} [الأنعام:133]. قوله: (وربك الغني) أي: الغني عن خلقه من جميع الوجوه، وهم الفقراء إليه في جميع أحوالهم. وقوله: (ذو الرحمة) يعني: يترحم عليهم بالتكليف تسهيلاً لهم، ويمهلهم على المعاصي، وفيه تنبيه على أن ما سبق ذكره من إرسال الرسل ليس لأن إرسال الرسل يعود إلى الله سبحانه وتعالى بالمنفعة، معاذ الله! وإنما إرسال الرسل ما هو إلا رحمة لعباد الله تبارك وتعالى. فقوله: (وربك الغني) أي: غني عنكم (ذو الرحمة) أي: يرسل الرسل ليرحمكم، كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] فانظر إلى الربط هنا بين الغنى والرحمة، يعني أن الله سبحانه وتعالى غني عنكم، وغني عن عبادتكم، وأنتم الفقراء إلى الله، والله هو الغني الحميد، فما يرسل الرسل إلا لمنفعتكم أنتم دون أن ينتفع هو سبحانه وتعالى من ذلك بشيء. وقوله: ((وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ)) تمهيد لقوله بعد ذلك: ((إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ)) يعني: إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدك ما يشاء من الخلق يعملون بطاعته كما أنشأكم أنتم من ذرية قوم آخرين ذهب بهم ثم بذريتهم، لكنه أبقاكم ترحماً عليكم، وهذا كقوله تعالى في آخر سورة القتال: {وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد:38] أي: سيكونون أفضل وأطوع لله منكم.
وتعريف المسند باللام مقتض تخصيصه بالمسند إليه ؛ أي: قصر الغنى على الله ، وهو قصر ادعائي باعتبار أن غنى غير الله تعالى لما كان غنى ناقصا نزل منزلة العدم ؛ أي: ربك الغني لا غيره ، وغناه تعالى حقيقي ، وذكر وصف الغني هنا تمهيد للحكم الوارد عقبه ، وهو إن يشأ يذهبكم فهو من تقديم الدليل بين يدي الدعوى ، تذكيرا بتقريب حصول الجزم بالدعوى. [ ص: 86] و ذو الرحمة خبر ثان. وعدل عن أن يوصف بوصف الرحيم إلى وصفه بأنه ذو الرحمة لأن الغني وصف ذاتي لله لا ينتفع الخلائق إلا بلوازم ذلك الوصف ، وهي جوده عليهم ؛ لأنه لا ينقص شيئا من غناه ، بخلاف صفة الرحمة فإن تعلقها ينفع الخلائق ، فأوثرت بكلمة ( ذو) لأن ( ذو) كلمة يتوصل بها إلى الوصف بالأجناس ، ومعناها: صاحب ، وهي تشعر بقوة أو وفرة ما تضاف إليه ، فلا يقال ذو إنصاف إلا لمن كان قوي الإنصاف ، ولا يقال ذو مال لمن عنده مال قليل ، والمقصود من الوصف بذي الرحمة هنا تمهيد لمعنى الإمهال الذي في قوله: إن يشأ يذهبكم أي: فلا يقولن أحد لماذا لم يذهب هؤلاء المكذبين ؛ أي: أنه لرحمته أمهلهم إعذارا لهم.