اسطرلاب
في قصة نبي الله هارون عليه السلام وسيرته دروس قيادية كثيرة، نحاول في هذه المقالة أن نستعرض عدداً منها كما يلي:
الشفاعة الحسنة وإعداد الصف الثاني: لم يتردد موسى عليه السلام في أن يشفع لأخيه هارون عليه السلام ليكون نبياً مرسلاً ووزيراً له يعينه في مهمته الكبرى أمام فرعون وقومه. وكان واضحاً في تبرير تلك الشفاعة في بيان الدور المرتقب لهارون وكفاءاته. ونجد أن موسى عليه السلام لم يخجل من أن أخاه هارون أفصح منه لساناً بل اعتبر ذلك حافزاً قوياً ليشفع له. وهكذا القائد الناجح الذي يحرص على بناء الصف الثاني وإعداد قيادات المستقبل ويحرص على استقطاب من يتفوقون عليه كل في مجاله بما يخدم الهدف الأسمى والمصلحة العامة. عدم السعي وراء المناصب: هارون عليه السلام كان أكبر سناً من أخيه موسى عليه السلام، وكان أفصح منه لساناً بالإضافة إلى شعبيته ومحبة بني إسرائيل له. هارون عليه السلام | معرفة الله | علم وعَمل. ومع ذلك كله لم يحاول أبداً أن ينازع أخاه في القيادة والسلطة بل ظل مخلصاً لأخيه مطيعاً لأوامره. وهو ما دفع موسى عليه السلام لأن يستخلفه في غيابه. وهكذا القادة الناجحون، والذين يمكن أن يتميزوا دون الحاجة لمنصب أو لقب رسمي. ناهيك عما ينتج عن هذه النزاعات والصراعات من ضعف وفرقة وتشتت مما يتسبب في ضعف المنظمة بعكس الحال في التزام الجميع بالعمل والولاء لرأس الهرم مع الإخلاص في تقديم النصح والمشورة.
هارون عليه السلام | معرفة الله | علم وعَمل
وفي غياب موسى -عليه السلام- حدثت فتنة السامري والتي ابتُلي فيها بني إسرائيل والذي صنع لهم من الذهب الخالص عجلًا له خوار - والخوار هو صوت العجل- ودعاهم إلى عبادته؛ فاستجابوا له وتركوا عبادة الله وحده؛ فقام هارون -عليه السلام- بواجبه في دعوتهم إلى ترك عبادة العجل والعودة إلى دين موسى -عليه السلام- لكنّهم استكبروا وأصروا على عبادة العجل، وعندما عاد موسى ومع الألواح وعلم ما حدث من السامري وبني إسرائيل غضبَ من أخيه غضبًا شديدًا لاعتقاده بتقصيره في ثنيهم عن عبادة العجل، لكن عندما فهم الأمر من أخيه هارون ذهب عنه الغضب ورضي عما فعله أخوه نبي الله هارون عليه السلام في غيابه. علاقة الأخوة والرسالة المشتركة تضمّنت قصة هارون -عليه السلام- بُعدًا عقائديًّا وآخر إنسانيًّا؛ فالبُعد الإنسانيّ يتمثّل في علاقة الأخوة المتينة بين موسى وهارون عليهما السلام على الرغم من نشأتهما وتربيتهما في مكانيْن متباعديْن وتمثّل ذلك في إلحاح موسى على ربه أنْ يُرسل إلى أخيه هارون كي يكون معه في دعوته، فاستجاب الله له بقوله: "قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ" في إيماءةٍ إلى أنّ الأخ لأخيه كالعضد الذي تتجمع فيه العضلات رمزًا للقوة والصلابة.
هارون عليه السلام في القرآن الكريم
دعوة موسى لفرعون
ما مهمة موسى المكلف بها لكل من فرعون وبني إسرائيل؟
كان بنو إسرائيل على دين النبي يوسف -عليه السلام- إلّا أنهم أحدثوا وبدلوا ما لا يتوافق مع التوحيد، وأقرب ما يكون للضلالة وللهوى، فلم يبق معهم من دين ذرية إ سحاق -عليه السلام- إلا الاسم، أما المصريون فكانت عبادتهم هي الاوثان، جاء موسى عليه السلام ليدعو فرعون وقومه للدين الحق وليعيد بني إسرائيل لدين آبائهم الحق، وقد أحيط موسى -عليه السلام- بالرعاية الربانية ليكون رسولًا للمصريين والإسرائيليين.
ولو عرفنا عن مفاتيح الكنوز هذه الحال، فكيف كانت الكنوز ذاتها؟! لكن قارون بغى على قومه بعد أن آتاه الله الثراء. ولا يذكر القرآن فيم كان البغي، ليدعه مجهلا يشمل شتى الصور. فربما بغى عليهم بظلمهم وغصبهم أرضهم وأشياءهم. وربما بغى عليهم بحرمانهم حقهم في ذلك المال. حق الفقراء في أموال الأغنياء. وربما بغى عليهم بغير هذه الأسباب. ويبدو أن العقلاء من قومه نصحوه بالقصد والاعتدال، وهو المنهج السليم. هارون عليه السلام في القرآن الكريم. فهم يحذروه من الفرح الذي يؤدي بصاحبه إلى نسيان من هو المنعم بهذا المال، وينصحونه بالتمتع بالمال في الدنيا، من غير أن ينسى الآخرة، فعليه أن يعمل لآخرته بهذا المال. ويذكرونه بأن هذا المال هبة من الله وإحسان، فعليه أن يحسن ويتصدق من هذا المال، حتى يرد الإحسان بالإحسان. ويحذرونه من الفساد في الأرض، بالبغي، والظلم، والحسد، والبغضاء، وإنفاق المال في غير وجهه، أو إمساكه عما يجب أن يكون فيه. فالله لا يحب المفسدين. فكان رد قارون جملة واحد تحمل شتى معاني الفساد (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي). لقد أنساه غروره مصدر هذه النعمة وحكمتها، وفتنه المال وأعماه الثراء. فلم يستمع قارون لنداء قومه، ولم يشعر بنعمة ربه.