"لكن قيل ما سأقول. يسبقني غد ماضٍ. أنا ملك الصدى. لا عـرش لي إلا الهوامش. و الطريق هو الطريقة. ربما نسي الأوائل وصف شيء ما، أُحرك فيه ذاكرةً وحـسًّا". تُنسى كأنك لم تكن خبرا ولا أثرا وتُنسى. - محمود درويش - حكم. ينحدر مرة أخرى الشاعر محمود درويش بعد حالة من الحب والتدفق مع الشعر إلى الحقيقة المرة، فهو: ملك الصدى والفراغ، وعرش تلك المملكة من الهوامش الفرعية لإشعاره. يؤكد مرة أخرى على استحالة إيجاد مواضيع جديدة فكل ما يمكن أن يقال قد قيل، وكل الطرق تم المشي بها بالفعل، وكل ما يمكن تقديمه جديد هو الطريقة التي تقول بها. ليكون الأمل الأخير لك كمبدع هو وجود هفوة أو سقطة لم يتناولها الأقدمون، فتقوم أنت بدب الروح بها، وهو الأمر المحال، فبالتأكيد كل الفضائل والرذائل تم تناولها من قبل. "تنسى، كأنك لم تكن خبرًا، ولا أثرًا… وتنسى"
أما عن هذا المقطع من قصيدة تنسى كأنك لم تكن فهو الأكثر ذكاءً وإبداعًا لدرويش في قصيدة "تنسى، كأنك لم تكن" كلها، فهنا يحاول من الضدين أن يبث الأمل واليأس معًا. فبالتأكيد كما أوضحنا ليس هناك موضوعًا لم يتم تناوله من الأسبقين حتى الآن، ومع ذلك يعول درويش على ضعف ذاكرة المتلقي؛ لعله يتمكن من الإبداع وأن يسطر ولو سطر واحد في الورقة التي كتب عليها الأقدمون.
- تُنسى كأنك لم تكن خبرا ولا أثرا وتُنسى. - محمود درويش - حكم
- جريدة الرياض | «تُنسى كأنك لم تكن»..
تُنسى كأنك لم تكن خبرا ولا أثرا وتُنسى. - محمود درويش - حكم
تُنسى كأنّك لمْ تكنْ، تُنسى كمصرعِ طائرٍ، ككنيسةٍ مهجورة تُنسى، كحبٍّ عابرٍ، وكوردةٍ في الثلج، تُنسى! هذا ما قاله درويش في بداية قصيدته (تُنسى كأنّك لم تكنْ)، إنّ سماعي لهذه القصيدة هو شيءٌ شبهُ يومي، خاضع للاستمرارية ولا ينقطع! وكيف له أنْ ينقطع؟ وإنْ كان هنالك ما يدعو للعكس، فأشيروا عليّ! فلهذه اللحظة لمْ يُقِمْ أحدهم الحُجّة عليّ، والتي ستُجبرني بدورها بإلغاء هذه القصيدة من وجودي! أو بتعبيرٍ أصحّ؛ فكّ ارتباطها بوجودي. تنسي كانك لم تكن محمود درويش. محمود درويش استطاع في هذه القصيدة أنْ يختزل ردّة فعل الوجود بعدَ الموت! استطاع أنْ يقشُطَ القشور التي تُغطّي الحقيقة المؤلمة لما بعدَ الموت، والتي يتناساها مُعظم البشر، وقلّة قليلة من تعي هذه الحقيقة وتُدرك حتميّتها! حياتُنا عبارة عن خليطٍ أو مزيجٍ من الفرح، اللعب، المُزاح، الأسى والحزن، يقضيها الإنسان في تقلّبات مع منْ يُحبّ، ومع منْ يكرهُ أيضاً، فلا أظنُّ أنّ اختياراتك لهذه اللحظات مع منْ تُحبّ فقط! فهذه (الدنيا) ستفرض عليك اختيارات ليس لكَ فيها قرار، وبلا شكّ سترى كثيراً من فصولِ حياتك تتجلّى في أمنيات فقط! وهذا طبيعي من جهة القدر، وغير طبيعي ومُؤلم من جهتك! ستعاشر كلّ من حولك حتّى تشعر أنّك مركز هذا الكون بالنسبة لهم، نعم يا فتى، ويا فتاة!
جريدة الرياض | «تُنسى كأنك لم تكن»..
لم يؤثر استخدام السرد في القصيدة بشعريتها، وإنّما ساهم في تحويلها لقصة أو رواية شعرية محكية. وظف الشاعر أكبر قدر من الحواس التي استخدمها في رسم المشاهد، إذ خاطب الشاعر القارئ وجعل منه ضحيةً في المشهد ذاته، كما يظهر تعاطف الشاعر مع هذه الضحية. [١١]
تحول الشاعر أخيرًا إلى تقمُص دور الضحية، كما تكلم بلسانها باستخدام الضمير أنا، وكان القارئ بعد ذلك الضحية الثالثة. [١٢]
يُعد إحساس الشاعر بالزمن عميقًا؛ فهو يتأمل تحولاته كثيرًا، كما يظهر خوف الشاعر إلى حد بعيد من شبح الزمن الذي يتنامى، مما يجعل قصائده تتحول لمرثيات ويحول الرؤى إلى مآتم. جريدة الرياض | «تُنسى كأنك لم تكن»... [١٣]
يتعمق الشاعر في موضوع النسيان، ولكنه يوجه حديثه إلى قارئ من نوع آخر وهو القارئ الذكي، فهو يبين العلاقة بين الأجيال التي سبقته، وأثرت في أشعاره، فتحدث عن الإبداع في تشكيل النص الشعري، ويظهر ذلك حين قال: "هناك من سبقت خطاه خُطاي، من أملى رؤاه على رؤاي". الصور الفنية في القصيدة
تحتوي قصيدة الشاعر محمود درويش على العديد من الصور الفنية الرائعة فهي لا تستعرض النسيان بمعناه السطحي وإنّما يوجد العديد من المعاني العميقة في القصيدة والتي تحمل صورًا شعريةً مميزةً وهي كما يأتي:
يبدأ الشاعر قصيدته بالحديث عن النسيان كونه أمرًا عاديًا يمتلئ بالخيبة والخذلان، إذ يُبيّن أنّ الإنسان المنسي هو كالطائر الصريع وكالكنيسة المهجورة إذ بدت الصورة في بناء درامي مليء بالأسى.
المنتديات
الغابة الادبية
منتدى الهمسات المنقولة والخواطر
تُنسى كأنك لم تكن.. فعالية ملوك المواضيع " الفريق الأحمر "
تُنسى، كأنَّكَ لم تَكُنْ
تُنْسَى كمصرع طائرٍ
ككنيسةٍ مهجورةٍ تُنْسَى،
كحبّ عابرٍ
وكوردةٍ في الليل.... تُنْسَى
أَنا للطريق... هناك من سَبَقَتْ خُطَاهُ...
مشاركة هذه الصفحة
كاتب الموضوع
إنضم
May 12, 2021
المشاركات
6, 480
مستوى التفاعل
10, 888
الإقامة
فلسطين
مجموع اﻻوسمة
5
مزاجك اليوم
#1
أَنا للطريق... هناك من سَبَقَتْ خُطَاهُ خُطَايَ
مَنْ أَمْلَى رُؤاهُ على رُؤَايَ. هُنَاكَ مَنْ
نَثَرَ الكلام على سجيَّتِه ليدخل في الحكايةِ
أَو يضيءَ لمن سيأتي بعدَهُ
أَثراً غنائياً... وحدسا
تُنْسَى, كأنك لم تكن
شخصاً, ولا نصّاً... وتُنْسَى
أَمشي على هَدْيِ البصيرة، رُبّما
أُعطي الحكايةَ سيرةً شخصيَّةً. فالمفرداتُ
تسُوسُني وأسُوسُها. أنا شكلها
وهي التجلِّي الحُرُّ. تنسى كأنك لم تكن. لكنْ قيل ما سأقول. يسبقني غدٌ ماضٍ. أَنا مَلِكُ الصدى. لا عَرْشَ لي إلاَّ الهوامش. و الطريقُ
هو الطريقةُ. رُبَّما نَسِيَ الأوائلُ وَصْفَ
شيء ما، أُحرِّكُ فيه ذاكرةً وحسّا
تُنسَى، كأنِّكَ لم تكن
خبراً، ولا أَثراً... وتُنْسى
أَنا للطريق... هناك مَنْ تمشي خُطَاهُ
على خُطَايَ, وَمَنْ سيتبعني إلى رؤيايَ.