هداية التوفيق والإلهام؛ وهذه المرتبة أخصّ من المرتبة الثّانية، فهي خاصّة بالله -تعالى- بحيث لا يستطيعها نبيّ ولا مَلْك، فالله -تعالى- يرزقها لِمن يشاء من عباده، وهذه الهداية تستلزم وجود إرادة الله تعالى، واهتداء العبد للمرتبة الثّانية من الهداية، من اليقين والتصديق بالرّسل ومعجزاتهم والتسليم لأمر الله تعالى، قال الله تعالى: (يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ). [١١]
الهداية إلى الجنّة أو إلى النّار يوم القيامة؛ وهي آخر مرتبة من مراتب الهداية، فمَن اتّبع هداية الله -تعالى- في الدنيا وهداه الله -تعالى-إلى الصّراط المستقيم ؛ هُدي يوم القيامة إلى طريق الجنّة وتكون مستقرّ حياته فيها. ما معنى الهداية - موضوع. طرق اكتساب الهداية
إنّ الهداية منوطة ببعض الأفعال الواجبة على العبد؛ وبيان بعضها فيما يأتي: [١٢] [٥]
الصّدق مع الله تعالى؛ فيجب على المسلم أن يكون صادقاً حقّاً برغبته في الهداية، ومواظباً على الدّعاء بالهداية. المجاهدة وبذل الجهد بالمواظبة على الطّاعات والعبادات للوصول إلى ما يُرضي الله تعالى.
ما معنى الهداية - موضوع
فالسنة أن يأكل من هديه ويُطعم منه غيره، ولا يكفي أن يذبح الهدي
ويرمي به بدون أن يتصدق منه وينتفع به، لأنّ هذا إضاعةٌ للمال، ولا
يحصل به الإطعام الذي أمر الله به، إلاّ أن يكونَ الفقراء حوله فيذبحه
ثم يُسلمه لهم، فحينئذ يبرأ منه. سبق في مقال سابق أنّ الأنساك ثلاثة: التمتع والقِران والإفراد، والذي
يجب به الهديُ هو التمتع والقِران. والمتمتع: هو مَن
أحرم بالعمرة في أشهر الحج ثمّ حَلّ منها وأحرم بالحج في عامِه، فلو
أحرم بالعمرة قبل دخول شهر شوال، وبقي في مكة ثمّ حج في عامه فلا هدي
عليه لأنّه ليس بمتمتع، حيث كان إحرامه بالعمرة قبل دخول أشهر الحج. ولو أحرم بالعمرة بعد دخول شوال وحج من العام الثاني، فلا هدي عليه
أيضاً لأنّ العمرة في عامٍ والحج في عام آخر. ما هو الهدي. ولو أحرم بالعمرة في أشهر الحج، وحل منها ثم رجع إلى بلده وعاد منه
مُحرماً بالحج وحده لم يكن متمتعاً لأنّه أفرد الحج بسفر مستقل. وأمّا القِران: فهو
أن يُحرم بالعمرة والحج معاً، أو يُحرم بالعمرة أولاً ثم يُدخل الحج
عليها قبل الشروع في طوافها كما سبق. ولا يجب الهدي على المتمتع والقارن إلاّ بشرط أن لا يكونا من حاضري
المسجد الحرام، أي: لا يكونا من سكان مكة أو الحرم، فإن كانوا من سكان
مكة أو الحرم فلا هدي عليهم لقوله تعالى: {ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ
أَهْلُهُ حَاضِرِى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ
وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}
[البقرة:196].
وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115) وقوله: ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى) أي: ومن سلك غير طريق الشريعة التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم ، فصار في شق والشرع في شق ، وذلك عن عمد منه بعدما ظهر له الحق وتبين له واتضح له. وقوله: ( ويتبع غير سبيل المؤمنين) هذا ملازم للصفة الأولى ، ولكن قد تكون المخالفة لنص الشارع ، وقد تكون لما أجمعت عليه الأمة المحمدية ، فيما علم اتفاقهم عليه تحقيقا ، فإنه قد ضمنت لهم العصمة في اجتماعهم من الخطأ ، تشريفا لهم وتعظيما لنبيهم [ صلى الله عليه وسلم]. وقد وردت في ذلك أحاديث صحيحة كثيرة ، قد ذكرنا منها طرفا صالحا في كتاب " أحاديث الأصول " ، ومن العلماء من ادعى تواتر معناها ، والذي عول عليه الشافعي ، رحمه الله ، في الاحتجاج على كون الإجماع حجة تحرم مخالفته هذه الآية الكريمة ، بعد التروي والفكر الطويل. وهو من أحسن الاستنباطات وأقواها ، وإن كان بعضهم قد استشكل ذلك واستبعد الدلالة منها على ذلك. ولهذا توعد تعالى على ذلك بقوله: ( نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا) أي: إذا سلك هذه الطريق جازيناه على ذلك ، بأن نحسنها في صدره ونزينها له - استدراجا له - كما قال تعالى: ( فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون) [ القلم: 44].