قوله تعالى: يخادعون الله الآية. أخرج أحمد بن منيع في " مسنده " بسند ضعيف عن رجل من الصحابة، أن قائلا من المسلمين قال: يا رسول الله، ما النجاة غدا؟ قال: لا تخادع الله. قال: وكيف نخادع الله؟ قال: أن تعمل بما أمرك الله به، تريد به غيره، فاتقوا الرياء، فإنه الشرك بالله، فإن المرائي ينادى به يوم القيامة على رءوس الخلائق بأربعة أسماء، يا كافر يا فاجر يا خاسر يا غادر، ضل عملك وبطل أجرك فلا خلاق لك اليوم عند الله، فالتمس أجرك ممن كنت تعمل له يا مخادع. ان المنافقين يخادعون ه. وقرأ من آيات القرآن فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا [ ص: 159] الآية [ الكهف: 110] و إن المنافقين يخادعون الله الآية [ النساء: 142]. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله: يخادعون الله قال: يظهرون لا إله إلا الله، يريدون أن يحرزوا بذلك دماءهم وأموالهم وفي أنفسهم غير ذلك. وأخرج ابن جرير عن ابن وهب قال: سألت ابن زيد عن قوله يخادعون الله والذين آمنوا قال: هؤلاء المنافقون يخادعون الله ورسوله والذين آمنوا أنهم يؤمنون بما أظهروه، وعن قوله: (وما يخادعون إلا أنفسهم وما يشعرون) قال: ما يشعرون أنهم ضروا أنفسهم بما أسروا من الكفر والنفاق. ثم قرأ يوم يبعثهم الله جميعا قال هم المنافقون.
إعراب قوله تعالى: إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى الآية 142 سورة النساء
{ ويُراءون} فعل يقتضي أنّهم يُرون الناس صلاتهم ويُريهم الناس. وليس الأمر كذلك ، فالمفاعلة هنا لمجرد المبالغة في الإراءة ، وهذا كثير في باب المفاعلة. وقوله: { ولا يذكرون الله إلاّ قليلاً} معطوف على { يُراءُون} إن كان { يراءون} حالاً أو صفة ، وإن كان { يراءون} استئناف فجملة { ولا يذكرون} حال ، والواو واو الحال ، أي: ولا يذكرون الله بالصلاة ألاّ قليلاً. إعراب قوله تعالى: إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى الآية 142 سورة النساء. فالاستثناء إإمّا من أزمنة الذكر ، أي إلاّ وقتاً قليلاً ، وهو وقت حضورهم مع المسلمين إذ يقومون إلى الصلاة معهم حينئذٍ فيذكرون الله بالتكبير وغيره ، وإمّا من مصدر { يذكرون} ، أي إلاّ ذكراً قليلاً في تلك الصلاة التي يُراءون بها ، وهو الذكر الذي لا مندوحة عن تركه مثل: التأمين ، وقول ربنا لك الحمد ، والتكبير ، وما عدا ذلك لا يقولونه من تسْبيححِ الركوع ، وقراءةِ ركعات السرّ. ولك أن تجعل جملة { ولا يذكرون} معطوفة على جملة { وإذا قاموا} ، فهي خبر عن خصالهم ، أي هم لا يذكرون الله في سائر أحوالهم إلاّ حالا قليلاً أو زمناً قليلاً وهو الذكر الذي لا يخلو عنه عبد يحتاج لربّه في المنشط والمكره ، أي أنّهم ليسوا مثل المسلمين الذين يذكرون الله على كلّ حال ، ويكثرون من ذكره ، وعلى كلّ تقدير فالآية أفادت عبوديتهم وكفرَهم بنعمة ربّهم زيادة على كفرهم برسوله وقرآنه.
الكسل في القرآن الكريم
الصور البلاغية و المعاني الإعرابية للآية 142 - سورة النساء
﴿ تفسير التحرير و التنوير - الطاهر ابن عاشور ﴾
استئناف ابتدائي ، فيه زيادة بيان لمساويهم. والمناسبةُ ظاهرة. وتأكيد الجملة بحرف ( إنّ) لتحقيق حالتهم العجيبة وتحقيق ما عقبها من قوله: { وهو خادعهم}. وتقدّم الكلام على معنى مخادعة المنافقين الله تعالى في سورة البقرة ( 9) عند قوله: { يخادعون الله والذين آمنوا} وزادت هذه الآية بقوله: وهو خادعهم} أي فقابلهم بمثل صنيعهم ، فكما كان فعلهم مع المؤمنين المتبعين أمر الله ورسوله خداعاً لله تعالى ، كان إمْهال الله لهم في الدنيا حتى اطمأنّوا وحسبوا أن حيلتهم وكيدهم راجَا على المسلمين وأنّ الله ليس ناصرهم ، وإنذارهُ المؤمنين بكيدهم حتّى لا تنطلي عليهم حيلهم ، وتقديرُ أخذه إيّاهم بأخَرَة ، شبيهاً بفعل المخادع جزءاً وفاقاً. فإطلاق الخداع على استدراج الله إيّاهم أستعارة تمثيلية ، وحسنَّتَهْا المشاكلة؛ لأنّ المشاكلة لا تعدو أن تكون استعارة لفظ لغير معناه مع مزيد مناسبة مع لفظ آخر مثل اللفظ المستعار. ان المنافقين يخادعون الله وهو. فالمشاكلة ترجع إلى التلميح ، أي إذا لم تكن لإطلاق اللفظ على المعنى المراد علاقةٌ بين معنى اللفظ والمعنى المراد إلاّ محاكاة اللفظ ، سميّت مشاكلة كقول أبي الرقَعْمَق.
ويستكمل الحق وصف الحالة النفسية للمنافقين فيقول: {مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلك... }. المصدر: موقع نداء الإيمان