وقوله: ما وَدّعَكَ رَبّكَ وَما قَلى وهذا جواب القسم ، ومعناه: ما تركك يا محمد ربك وما أبغضك. وقيل: وَما قَلى ومعناه: وما قلاك ، اكتفاء بفهم السامع لمعناه ، إذ كان قد تقدّم ذلك قولُه: ما وَدّعَكَ فعُرف بذلك أن المخاطب به نبيّ الله صلى الله عليه وسلم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. الدرس(6) باب ترك القيام للمريض.. ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ ، قال: حدثنا أبو صالح ، قال: ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله: ما وَدّعَكَ رَبّكَ وَما قَلى يقول: ما تركك ربك ، وما أبغضك. حدثني يونس ، قال: أخبرنا ابن وهب ، قال: قال ابن زيد ، في قوله: ما وَدّعَكَ رَبّكَ وَما قَلى قال: ما قلاك ربك وما أبغضك قال: والقالي: المبغض. وذُكر أن هذه السورة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم تكذيبا من الله قريشا في قيلهم لرسول الله ، لما أبطأ عليه الوحي: قد ودّع محمدا ربّه وقَلاه. ذكر الرواية بذلك: حدثني عليّ بن عبد الله الدهان ، قال: حدثنا مفضل بن صالح ، عن الأسود بن قيس العبديّ ، عن ابن عبد الله ، قال: لما أبطأ جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت امرأة من أهله ، أو من قومه: ودّع الشيطان محمدا ، فأنزل الله عليه: وَالضّحَى... إلى قوله: ما وَدّعَكَ رَبّكَ وَما قَلى.
الدرس(6) باب ترك القيام للمريض.
وثانيتهما: فترة بعد نزول نحو من ثمانِ سور، أي السور التي نزلت بعد الفترة الأولى.. فالذي نظنه أن احتباس الوحي في هذه المرة كان لمدة نحو من اثني عشر يوماً، وأنه ما كان إلا للرفق بالنبي صلى الله عليه وسلم كي تسْتجِمّ نفسه وتعتاد قوته تحمُّل أعباء الوحي، إذ كانت الفترة الأولى أربعين يوماً، ثم كانت الثانية اثني عشر يوماً أو نحوها.. وبهذا الوجه يجمع بين مختلف الأخبار في سبب نزول هذه السورة (الضحى) وسبب نزول سورة المدثر".
في يوم الاثنين من رمضان من العام الأربعين من مولد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وفي غار حراء نزل جبريل عليه السلام بأمر الله عز وجل، يحمل أعظم رسالة، إلى أفضل نبي، ليغير الحياة من الشرك إلى التوحيد، ومن الظلمات إلى النور، قال الله تعالى: { الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ العَزِيزِ الحَمِيدِ}(إبراهيم:1)، وقد أجمع رواة السيرة النبوية على أن بداية نزول الوحي كان في شهر رمضان، وأول ما أوحى الله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم من القرآن الكريم قوله تعالى: { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}(العلق:1). قال ابن القيم في زاد المعاد فيما ذكره عن عائشة رضي الله عنها: "ثم أكرمه الله تعالى بالنبوة, فجاء الملك وهو بغار حراء, وكان يحب الخلوة فيه, فأول ما أنزل عليه: { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}(العلق:1) هذا قول عائشة والجمهور". وما رواه البخاري عن يَحْيَى بن أبي كثير قال: سَأَلْتُ أبا سلمة بن عبد الرحمن عن أَوَّل ما نزل من القرآن؟ قَال:{ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}(المدثر:1): محمول على الأوّلية بالنّظر إلى ما بعد الفترة، لا الأوّلية المطلقة، قال النووي: "فالصواب أن أول ما نزل { اقْرَأْ} وأن أول ما نزل بعد فترة الوحى { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّر)".