لقد اهتمت واشنطن كثيرا بثورة الريف المغربي ضد الإستعمار الإسباني، من ضمن التحولات المعتملة في الفضاء المتوسطي من تركيا كمال أتاتورك وحركة «تركيا الفتاة» شرقا، إلى حركة محمد بن عبد الكريم الخطابي غربا، التي اعتبرتها أهم حركة تحررية من دول الجنوب التي ألحقت أكبر هزيمة عسكرية بقوات أروبية امبراطورية هي القوات الإسبانية. ولقد وجد ذلك صداه شعبيا بالولايات المتحدة الأمريكية من خلال العمل الصحفي الذي أنجزه على مدى شهور إثنان من كبار صحفييها المتخصصين في تغطية الحروب وفي التحقيق الصحفي هما «بول سكوت مورير» و«فانسون شين»، وهما من الصحفيين القلائل في العالم حينها اللذان تمكنا من إجراء حوارين صحفيين مع محمد بن عبد الكريم الخطابي، وتجولا في كامل المناطق المحررة من قبله بالشمال المغربي، ونقلا روبورتاجات صحفية، حولت القضية المغربية التحررية إلى مادة شبه يومية لسنوات عند الرأي العام الأمريكي. كانت واشنطن، حريصة على أن لا تعلن رسميا أي موقف مؤيد أو مساند لحركة بن عبد الكريم الخطابي (كان طموحه هو كبيرا في تحقيق ذلك، بدليل ما قاله في حواريه مع الصحفيين الأمريكيين)، لكنها في الآن نفسه اتخذت قرارين دالين ووازنين، أولها كما سبق وقلنا رفضها للقرار الإسباني بإغلاق المجال البحري المتوسطي للمغرب سنوات 1921 – 1926.
ضمن هذا التحول العالمي، كان حظ المغرب أن يصبح موزعا بين «الحزب الإستعماري» الغربي الأروبي وبين البراغماتية الأمريكية النفعية التجارية، خلال المسافة الزمنية بين مؤتمر مدريد سنة 1880 ومؤتمر الجزيرة الخضراء سنة 1906، التي كانت «القضية المغربية» محورهما الرئيسي والوحيد. وأصبحت العلاقة الأمريكية المغربية، مؤطرة ضمن سياقات النظام العالمي الجديد ذاك، حيث أصبحت مواقف واشنطن من المغرب قرينة بحساباتها الجيو ستراتيجية الجديدة، ضمن علاقتها مع منافسيها من تكتل الدول الأروبية الغربية. وأنه بالتوازي، على قدر ما بدأت الولايات المتحدة الأمريكية تتحول إلى قوة رأسمالية وصناعية وعسكرية (خاصة تطوير قواتها البحرية)، منافسة للقوى الرأسمالية الأروبية التقليدية الكبرى، في تدافع يعيد ترتيب مجالات النفوذ بينها. على قدر ما كان المغرب ينزلق أكثر نحو عزلة دولية خانقة، أمام الطوق الذي بدأ يشتد عليه من قبل القوى الأروبية، خاصة الفرنسية منها المحتلة للشواطئ الشمالية للجزائر منذ 1830 ولتونس منذ 1882، وبداية رسوخ تحوله إلى مجال لصفقات سرية بين كل من باريس ولندن ومدريد وروما وبرلين، في المسافة الزمنية بين 1901 و1911. مثلما بدأ يفقد أراضيه الحدودية في الشرق، بمنطقة توات والساورة وتيندوف ابتداء من سنة 1900، ووجدة ابتداء من سنة 1907 والدار البيضاء في ذات السنة.
بحيث إنه حين احتد النقاش لشهور ما بين يناير وأبريل 1906، حول مسألتي إنشاء شرطة أروبية بالموانئ المغربية، وإنشاء بنك مركزي مغربي، ذهبت واشنطن مع الطرح الفرنسي الإنجليزي وليس الألماني، المتعلق بأن تكون باريس هي المشرفة على البنك والمالكة لأكبر نسبة فيه (27%)، تليها بريطانيا (20%)، ثم ألمانيا (20%)، ثم إيطاليا (10%)، ولقد سجل باستغراب حينها رفض واشنطن المساهمة ضمن رأسمال ذلك البنك. فيما اقترح خلق «شرطة أروبية» بالموانئ المغربية تكون فرنسية في الرباط والدار البيضاء وطنجة (بتنسيق مع ضباط هولنديين وسويسريين)، وإسبانية في تطوان والعرائش والجديدة والصويرة. لابد من تسجيل معطى تاريخي آخر هام، يتمثل في أن تطور التحول الأمريكي ضمن النظام العالمي الجديد للقرن 20، سيجد ترجمته في مشاركة القوات الأمريكية لأول مرة منذ تأسيسها كدولة سنة 1776، في حرب خارج الأراضي الأمريكية بأروبا، سنة 1917، زمن الحرب العالمية الأولى. وأن تلك المشاركة تعتبر التدشين لميلاد القوة الأمريكية عالميا وليس إقليميا كما كان عليه الحال في القرن 19. مما كانت نتيجته تغير العلاقة بين واشنطن وباريس، الذي من عناوينه في ما يهمنا مغربيا هو صدور أول اعتراف مبدئي أمريكي بالحماية الفرنسية على بلادنا سنة 1917 (مهم هنا العودة إلى بعض من التفاصيل حول أهمية المشاركة الأمريكية في الحرب العالمية الأولى ونتيجة ذلك على العلاقات الفرنسية الأمريكية كما هي واردة في مذكرات الماريشال ليوطي أول مقيم عام فرنسي بالمغرب، الصادرة سنة 1927).
الحيوانات الأليفة.. رفاهية في زمن كورونا - video Dailymotion
Watch fullscreen
Font
كيف انتقلت علاقات المغرب والولايات المتحدة الأمريكية إلى زمن القرن 20، وما هي المحطات الأبرز لذلك الإنتقال؟. إنه سؤال آخر كبير يتطلب زمنا تحليليا ممتدا من مؤتمر الجزيرة الخضراء سنة 1906 حتى محطة الإنزال العسكري الأمريكي بالمغرب في نونبر 1942. ولا يمكن تمثل ذلك الإنتقال، بدون العودة إلى ما وقع في المسافة الزمنية ما بين مؤتمر برلين سنتي 1884 – 1885، والحرب الأمريكية الإسبانية بكوبا والفلبين سنة 1898، ثم الحرب العالمية الأولى ما بين 1914 و1918. إن المقصود، هو أنه في المسافة ما بين 1884 و1918، سيولد نظام عالمي جديد، لا علاقة له بالنظام العالمي للقرنين 18 و19، من حيث إنه تجاوز له. وأن ذلك التجاوز قد تحقق من خلال بروز قوى عالمية جديدة، ذات نظم سياسية شبه متضادة اقتصاديا وتدبيريا ومؤسساتيا، هي أمريكا الرأسمالية والليبرالية والسوفيات الشيوعية. ولقد دشن مؤتمر برلين للدول الأروبية الإثنى عشر إضافة إلى واشنطن، الذي دعت إليه البرتغال واحتضنته ألمانيا بيسمارك، المنعقد ما بين 15 نونبر 1884 و26 فبراير 1885، لميلاد ذلك النظام العالمي الجديد. علما أن الغاية من ذلك المؤتمر قد كانت في البداية هي حل ما عرف بـ «المسألة الكونغولية»، التي سجل فيها تنافس نفوذ استعماري على حوض الكونغو الغني بالماس والخشب بإفريقيا، بين بلجيكا وألمانيا وفرنسا من جهة وبين بريطانيا والبرتغال من جهة أخرى.
Last updated أبريل 26, 2022
بعد أربعة أيام من إغلاق الفيروس التاجي في حيها في شنغهاي ، بدأت دينغ تينغتينغ تشعر بالقلق بشأن الرجل العجوز الذي كان يعيش بمفرده في الشقة الواقعة أسفلها. طرقت على بابه ووجدت أن إمداداته الغذائية تتضاءل وأنه لا يعرف كيفية الاتصال بالإنترنت لشراء المزيد. ساعدته السيدة دينغ في شراء الطعام ، لكنها فكرت أيضًا في العديد من كبار السن الذين يعيشون بمفردهم في حيها. باستخدام تطبيق المراسلة الصيني WeChat ، أنشأت هي وأصدقاؤها مجموعات لربط الأشخاص المحتاجين بالمتطوعين القريبين الذين يمكنهم الحصول على الطعام والأدوية لهم. عندما أغمي والد زوج إحدى النساء فجأة ، حددت شبكة من المتطوعين أحد الجيران باستخدام جهاز قياس ضغط الدم وتأكدت من توصيله بسرعة. قالت السيدة دينغ ، وهي أمينة فنية تبلغ من العمر 25 عامًا: "لا يمكن تعليق الحياة بسبب الإغلاق". في جهودها الحثيثة للقضاء على الفيروس ، اعتمدت الصين على مئات الآلاف من مسؤولي الحزب منخفضي المستوى في لجان الأحياء لترتيب الاختبارات الجماعية وتنسيق النقل إلى المستشفيات ومنشآت العزل. وزع المسؤولون تصاريح خاصة للمرضى للحصول على الأدوية وغيرها من الضروريات أثناء الإغلاق.
وكان الموقف الأمريكي أمام تطورات الملف المغربي منحصرا في ضمان استمرارية حقوقها التجارية مع الجغرافية المغربية كما تخولها ذلك معاهدة 1863 مع السلطان سيدي محمد بن عبد لله، وأن يكون لها حق «الحرية التجارية والمساواة مع باقي الدول الأروبية اقتصاديا» بالمغرب. كان الأسطول العسكري البحري الأمريكي الوليد في نهاية القرن 19 وبداية القرن 20، قد بدأ يتحول إلى أداة حاسمة ضمن تدافع حسابات النظام العالمي الجديد لما بعد مؤتمر برلين لسنة 1884، لكنه لم يكن يتحرك سوى ضمن مجالات النفوذ الحيوية لواشنطن حينها، التي هي شرق المحيط الأطلسي وجنوب المحيط الهادئ ومنطقة الكراييب وأمريكا الوسطى (حماية وتنفيذ مشروع قناة بنما). مثلما كان له حضور مؤثر في الفضاء المتوسطي لكن فقط لحماية السفن التجارية الأمريكية، ولم يدخل قط في أية مواجهات مع الأساطيل الأروبية في منطقة شمال إفريقيا التي من ضمنها المغرب. والمرة الوحيدة التي حركت فيها واشنطن سبعة من سفنها الحربية من أسطولها السادس قبالة مدينة طنجة، قد كانت سنة 1904 للتهديد بقصف الأراضي المغربية كوسيلة ضغط لتحرير مواطنها الأمريكي بيرديكاريس المختطف من قبل المتمرد المغربي الريسوني.