فأمر له بطعام وثوبين. فقال: لا حاجة لي في الطعام; وأما الثوبان ، فإن أم فلان عارية. فأخذهما ، ورجع. فلم يلبث أن مات... وذكر سائر القصة. وروى نحوها كاتب الليث ، عن سعيد بن عبد العزيز: بلغه عن الحسن البصري: أن عمر... فذكرها. وروى أبو حذيفة في " المبتدأ " نحوا منها ، عن شيخ ، عن آخر. ويقال: زهاد الأنصار ثلاثة: أبو الدرداء ، وشداد بن أوس ، وعمير بن سعد.
- عمير بن سعد
عمير بن سعد
وأرضى عمير ضميره الورع تماما.. فهو أولا أدّى أمانة المجلس حقها, وارتفع بنفسه الكبيرة عن أن يقوم بدور المتسمّع الواشي.. عمير بن سعد. وهو ثانيا أدى لدينه حقه, فكشف عن نفاق مريب.. وهو ثالثا أعطى جلاس فرصة للرجوع عن خطئه واستغفار الله منه حين صارحه بأنه سيبلغ الرسول صلى الله عليه وسلم, ولو أنه فعل آنئذ, لاستراح ضمير عمير ولم تعد به حاجة لإبلاغ الرسول عليه السلام.. بيد أن جلاسا أخذته العزة بالإثم, ولم تتحرك شفتاه بكلمة أسف أو اعتذار, وغادرهم عمير وهو يقول: " لأبلغنّ رسول الله قبل أن ينزل وحي يشركني في إثمك"... وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلب جلاس فأنكر أنه قال, بل حلف بالله كاذبا..!!
قال: أما كان أحد يتبرع لك بدابة ؟ قال: ما فعلوا ، ولا سألتهم. قال: بئس المسلمون! قال: يا عمر ، إن الله قد نهاك عن الغيبة. فقال: ما صنعت ؟ قال: الذي جبيته وضعته مواضعه ، ولو نالك منه شيء لأتيتك به. قال: جددوا لعمير عهدا. قال: لا عملت لك ولا لأحد ، قلت لنصراني: أخزاك الله. وذهب إلى منزله على أميال من المدينة. فقال عمر: أراه خائنا; فبعث رجلا بمائة دينار ، وقال: انزل بعمير كأنك ضيف ، فإن رأيت أثر شيء ، فأقبل; وإن رأيت حالا شديدة; فادفع إليه هذه المائة. فانطلق ، فرآه يفلي قميصه. فسلم. فقال له عمير: انزل. عمير بن سعد الانصاري. فنزل. فساءله ، وقال: كيف أمير المؤمنين ؟ قال: ضرب ابنا له على فاحشة فمات. فنزل به ثلاثا ، ليس إلا قرص شعير يخصونه به ، ويطوون ، ثم قال: إنك قد أجعتنا. فأخرج الدنانير ، فدفعها إليه. فصاح ، وقال: لا حاجة لي [ ص: 562] بها. ردها عليه. قالت المرأة: إن احتجت إليها ، وإلا ضعها مواضعها. فقال: ما لي شيء أجعلها فيه. فشقت المرأة من درعها ، فأعطته خرقة ، فجعلها فيها; ثم خرج يقسمها بين أبناء الشهداء. وأتى الرجل عمر; فقال: ما فعل بالذهب ؟ قال: لا أدري. فكتب إليه عمر يطلبه. فجاء ، فقال: ما صنعت الدنانير ؟ قال: وما سؤالك ؟ قدمتها لنفسي.