أسامة شحادة
قال تعالى: "فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ" (محمد، الآية 19). وهذه آية عظيمة، تكاد تلخص لنا الواجب العيني على كل مؤمن في عصرنا الحاضر المليء بالفتن والتحديات والأخطار الجسام. وقد عرف علماؤنا السابقون عظم مكانة هذه الآية ومركزية دلالاتها ودورها في بناء الأمة والنهضة الإسلامية، ولذلك جعل لها الإمام البخاري باباً في كتاب العلم من صحيحه، حيث قال: باب العلم قبل القول والعمل لقول الله تعالى "فاعلم أنه لا إله إلا الله" فبدأ بالعلم. فالقرآن الكريم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالبدء بالتعلم والعلم أولاً. ولذلك، كانت أول آية أنزلت من القرآن الكريم واستفتحت بها الهداية الربانية والبعثة المحمدية "اقرأ"، وهي منطلق العلم والتعلم. فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك. وفي هذه الآية أمر بتجديد التعلم والثبات عليه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم حين أنزلت هذه الآية يعلم بيقين أنه لا إله إلا الله. ولعظم العلم وأهميته وأهمية الثبات عليه والانطلاق منه في العمل والحركة للحصول على النجاح والتوفيق في الدنيا والدين، جاء الأمر الرباني بتجديد العلم والثبات عليه بقوله تعالى: "فاعلم".
إعراب قوله تعالى: فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم الآية 19 سورة محمد
{ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ} أي: تصرفاتكم وحركاتكم، وذهابكم ومجيئكم، { وَمَثْوَاكُمْ} الذي به تستقرون، فهو يعلمكم في الحركات والسكنات، فيجازيكم على ذلك أتم الجزاء وأوفاه.
ومتى استقرت هذه الكلمة في النفس والقلب، فإن حبها يملأ القلب فلا يتسع لغيرها، وعندئذ يجد حلاوة الإيمان، كما في الحديث الصحيح: ((ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لِلَّهِ ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِى الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِى النَّارِ)). وسابع هذه الشروط: الإخلاص ، ومعناه: صدق التوجه إلى الله تعالى وتصفية العمل بصالح النية من كل شائبة من شوائب الشرك وألوانه. فاعلم أنه لا إله إلا الله by عائض القرني. وقد تواردت الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة، تؤكد هذا الشرط، وتجعله سببًا لقبول الأعمال عند الله تعالى. قال الله سبحانه وتعالى: (وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُواْ الصلاةَ وَيُؤْتُواْ الزكاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيّمَةِ [البينة:5) ، فلا يقبل الله تعالى من العمل إلا ما كان خالصًا لوجهه وموافقًا لشرعه. ولكن هل يكفي مجرد النطق بلا اله ال الله الاجابة على هذا السؤال نسمعها في اللقاء القادم ان شاء الله..
الدعاء
معنى الآية فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك
ولو تأملنا ما جرى في حلب مؤخراً من نصر كبير، فسنجده بسبب موافقة الثوار لأمر الله عز وجل الشرعي والكوني بالوحدة وعدم التفرق والتشرذم. فلما وحد الثوار صفوفهم وكلمتهم، ولو في قضية محددة، نجح سعيهم وبلغوا مرادهم. فمعصية أمر الله عز وجل وأمر رسوله، سواء كان أمراً شرعياً أم أمراً كونيا، فيه الخسارة ولا بد. إذ حتى الصحابة الكرام حين خالف بعض الرماة منهم يوم أُحد أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أمر عسكري/ كوني، حلت بهم الهزيمة وأنزل الله تعالى قوله: "أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (آل عمران، الآية 165). فالمنهج الصحيح السليم الذي يحقق النجاح والفوز في الدنيا والدين، الذي سلكه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، هو التعلم والتعليم والثبات على مقتضى العلم الصحيح في أمور الدين والدنيا، والانطلاق في عملهم وحركتهم في الدين والدنيا من العلم والمعرفة. فاعلم أنه لا إله إلا ه. وقد تشربوا ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم في تخطيطه للهجرة من مكة، وفي مبادلة الأسرى بتعليم صبيان المدينة، وفي قبوله تكتيك الفُرس بحفر الخندق، وفي قبول العلاج من أطباء البادية… مما أنتج دعم حركة التعلم والعلوم، فأبدع المسلمون أعظم منهج توثيقي عرفته البشرية، حفظ لنا نص القرآن الكريم والسنة النبوية.
السادس: اتفاق كتب الله على ذلك، وتواطؤها عليه. السابع: أن خواص الخلق، الذين هم أكمل الخليقة أخلاقا وعقولا، ورأيا وصوابا، وعلما -وهم الرسل والأنبياء والعلماء الربانيون- قد شهدوا لله بذلك. الثامن: ما أقامه الله من الأدلة الأفقية والنفسية، التي تدل على التوحيد أعظم دلالة، وتنادي عليه بلسان حالها بما أودعها من لطائف صنعته، وبديع حكمته، وغرائب خلقه. وقوله تعالى: { وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} أي: اطلب من الله المغفرة لذنبك، بأن تفعل أسباب المغفرة من التوبة والدعاء بالمغفرة، والحسنات الماحية، وترك الذنوب والعفو عن الجرائم. { و} استغفر أيضا { للمؤمنين وَالْمُؤْمِنَات} فإنهم -بسبب إيمانهم- كان لهم حق على كل مسلم ومسلمة. إعراب قوله تعالى: فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم الآية 19 سورة محمد. ومن جملة حقوقهم أن يدعو لهم ويستغفر لذنوبهم، وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم مأمورا بالاستغفار لهم المتضمن لإزالة الذنوب وعقوباتها عنهم، فإن من لوازم ذلك النصح لهم، وأن يحب لهم من الخير ما يحب لنفسه، ويكره لهم من الشر ما يكره لنفسه، ويأمرهم بما فيه الخير لهم، وينهاهم عما فيه ضررهم، ويعفو عن مساويهم ومعايبهم، ويحرص على اجتماعهم اجتماعا تتألف به قلوبهم، ويزول ما بينهم من الأحقاد المفضية للمعاداة والشقاق، الذي به تكثر ذنوبهم ومعاصيهم.
فاعلم أنه لا إله إلا الله By عائض القرني
فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ
{ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ}: العلم بالتوحيد فرض واجب على كل مسلم ومسلمة وأقله سؤال الجاهل والأمي عن عقيدته وتعلمها حتى يزول عنه إثم الإعراض, فإذا كان هذا حال الذي لا يستطيع الوصول للأدلة فما بالنا بمن أعرض وتكاسل رغم استطاعته؟؟؟ ومن العلم بالله العلم بأفعاله وأسمائه وصفاته وحقوقه على العباد وما يجب أن يؤدى لله وما يجب أن يجتنب. وكذا فرض على المسلم أن يبتعد عن الشرك بأنواعه ويجتنبه وحتى يحدث له ذلك لابد بالعلم بأنواع الشرك والكفر حتى لا يقع فيه وحتى يلقى الله بقلب سليم. فاعلم انه لا اله الا الله واستغفر لذنبك. و مع تجريد التوحيد لله على المسلم أن يستغفر الله من كل ذنب وخطيئة و يبادر ويسارع بالتوبة والأوبة وأن يوالي المؤمنين ويحب لهم ما يحب لنفسه ويستغفر لهم ويرجو لهم التوبة وصلاح الحال, وليعلم أنه تحت عين الله يعلم كل كبيرة وصغيرة وإليه المصير وهو وحده العالم بمآلات الأمور وجزاء العباد. قال تعالى: { { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ}} [محمد 19] قال السعدي في تفسيره: العلم لا بد فيه من إقرار القلب ومعرفته، بمعنى ما طلب منه علمه، وتمامه أن يعمل بمقتضاه.
والموفَّق من عرف الحق ولزمه حتى ينال الفوز.