بل هي أفلاك مخصوصة، ومحددة، لتسبح فيها الكواكب والنجوم، جعلها الله كطرق ومسارات للنجوم والكواكب، فلا تصطدم الواحدة بالأخرى لأن لكلٍّ فلك يسبح فيه ولكلٍّ مسار يسير فيه ولكلٍّ قوة جذب تحدد علاقته بغيره، مثلما تحدد علاقة غيره به:
حيث (لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (يس/ 40). وهو ما يعني أنّ للأفلاك دورها في حفظ الكواكب في مداراتها، رغم أنّه لم يتحدث أحد من الفيزيائيين عن هذه الأفلاك كطرق أو مسارات للنجوم والكواكب، ولم يظهر أحد منهم أهميتها أو دورها كطرق ومسارات محددة لا يخرج عنها من يسبح فيها، وإذا ما خرج عنها نجم أو كوكب فهو هالك لا محالة. «كلٌّ في فلكٍ يسبحون». المصدر: كتاب التأملات في انتظام الأكوان وقوام الكائنات
[1]- حبك السماء: طرائقها. وفي التنزيل: والسماء ذات الحبك؛ يعني طرائق النجوم، واحدتها حَبِيكة والجمع كالجمع. وقال الفراء في قوله: والسماء ذات الحُبُك؛ قال: الحُبُك تكسُّر كل شيء كالرملة إذا مرت عليها الريح الساكنة، والماء القائم إذا مرت به الريح، والدرعُ من الحديد لها حُبُك أيضاً، قال: والشعرة الجعدة تكسُّرُها حُبُكٌ، قال: وواحد الحُبُك حِباك وحَبِيكة؛ وروي عن ابن عباس في قوله تعالى: والسماء ذات الحُبُك؛ الخَلْق الحسن، قال أبو إسحق: وأهل اللغة يقولون ذات الطرائق الحسنة؛ وفي حديث عمرو بن مُرّة يمدح النبي (ص):
لأصْبَحْتَ خير الناس نفساً ووالداً *** رسول مليك الناس فوق الحبائِك
الحبائك: الطرق، واحدتها حبيكة، يعني بها السماوات لأن فيها طرق النجوم.
- “وكُل فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ” | مساحة حرّة ضمن حدود الممكن elhanem
- وكل في فلك يسبحون - YouTube
- «كلٌّ في فلكٍ يسبحون»
“وكُل فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ” | مساحة حرّة ضمن حدود الممكن Elhanem
وليس للأرض أو للشمس أو للقمر والكوكب والنجوم أن تكوّن أو أن توجد نظاماً أو انتظاماً أو توازناً في الفضاء دون أفلاك تسبح فيها. بل إن لكل كوكب أو نجم فلك خاص به يسبح فيه، في مدار بيضاوي حول الشمس، ولا يخرج عنه. لأنّ خروجه في الفلك يعني انتهاء انتظامه، انتهاء دوره، وهو ما يعني تحطمه ودخوله في فوضى الوقوع أو الخروج عن مساره الذي يعمل فيه. ولذلك تتحطم الكواكب التي انتهى عمرها ودورها وتتناثر على هيئة شهب ونيازك بأن تخرج عن مسارها، أي تخرج عن الفلك الذي كانت تسبح فيه والنجوم تولد وتعيش في فلكها أو في مسارها ثمّ ينتهي دورها أو تنتهي وظيفتها فتتحطم وتتناثر بعد أن تخرج عن فلكها الذي كانت تسبح فيه. وقد تكون هذه الأفلاك أو الطرائق والمسارب هي الحُبُك[1] التي أقسم الله بها في سورة الذاريات:
(وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ) (الذاريات/ 7). وكل في فلك يسبحون - YouTube. أي ذات الطرائق والمسارات المحكمة الحبك أو الخلق. حيث يفسر البعض الحبك بأنها طرائق النجوم ومساراتها، كالطرائق والتموجات التي تظهر على الرمل أو الماء إذا جاءته الريح، ويفسرها آخرون بأنها الشد والإحكام، من حبكت الثوب إذا أحكمت نسجه، أو من حبك الحبل والإزار إذا شده وأحكم ربطه، والمحبوك هو الشيء المحكم الخلق.
الأرض والشمس والقمر والكواكب والنجوم والمجرات لا تسبح في فضاء محايد، لا علاقة له بما يسبح فيه... لا تسبح في فراغ، ولكنها تسبح في أفلاك واضحة، ومحددة، لا تخرج عنها، ولكل كوكب أو نجم منها فلك يسبح فيه، يختلف عن فلك أي كوكب أو نجم آخر، من حيث قوى الجاذبية، ومن حيث قدرته على أن يكون فلكاً مناسباً أو مساراً مناسباً يسبح فيه الكوكب أو النجم المناسب. فلكل منها فلك مخصوص يسبح فيه، ومن يخرج عن فلكه أو عن مساره يتحطم ويتناثر، ويدخل في فوضى الفضاء حيث لا فلك ولا مسار، أي يدخل في عدم الانتظام فيتحطم ويتناثر...
أي أنّ الأفلاك هي مدارات أو مسارات تسبح فيها الأجرام السماوية في الفضاء، دون أن يصطدم بعضها ببعض، بتدبير من الله العزيز القدير، وليس لكوكب أن يخرج عن فلكه أو عن مداره أو عن مساره الذي رسم له إلا أن يتحطم أو ينسحق أو يتناثر في الفراغ. وكل في فلك يسبحون تفسير. لأن النجوم والكواكب بخروجها عن الفلك الذي تسبح فيه صلتها بفلكها الذي يحفظها ويحفظ عليها مسارها الذي ينبغي أن تسبح فيه، كما تفقد صلتها بقوة الجاذبية التي كانت تشدها إلى فلكها الذي كانت تسبح فيه، وتفقد قبل ذلك جاذبيتها التي كانت تشد الفلك إليها، فتتحطم وتتناثر في الفضاء.
وكل في فلك يسبحون - Youtube
فقوله: ولا الليل سابق النهار أي: غالب النهار ، يقال: سبق فلان فلانا أي: غلبه. وذكر المبرد قال: سمعت عمارة يقرأ: ( ولا الليل سابق النهار) فقلت: ما هذا ؟ قال: أردت: سابق النهار ، فحذفت التنوين; لأنه أخف. قال النحاس: يجوز أن يكون النهار منصوبا بغير تنوين ويكون التنوين حذف لالتقاء الساكنين.
وردت كلمة "فَلَكٍ" في القرآن الكريم مرتين: في قوله تعالى: "وَهُوَ الذِي خَلَقَ الليْلَ وَالنهَارَ وَالشمْسَ وَالْقَمَرَ كُل فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ" (سورة الأنبياء: 33)، وفي قوله تعالى ذكره: "لا الشمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا الليْلُ سَابِقُ النهَارِ وَكُل فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ" (سورة يس: 40). أما "الفلك" في اللغة العربية فهو المدار يسبح فيه الجرم السماوي، وجمعه: أفلاك وفُلُك. وفلك كل شيء: مستداره ومعظمه. “وكُل فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ” | مساحة حرّة ضمن حدود الممكن elhanem. والفلك من البحر: موجه المستدير المضطرب. والفلكة من المغزل: القطعة المستديرة من الخشب ونحوه تجعل في أعلاه، وتثبت الصنارة من فوقها وعود المغزل من تحتها. يقول الراغب الأصفهاني: والفلك مجرى الكواكب، وتسميته بذلك لكونه كالفلك. وفي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "تركت فرسي كأنه يدور في فلك" شبهه لدورانه بفلك السماء الذي تدور عليه النجوم
معنى الفلك
وأما "الفلك" في الاصطلاح العلمي فهو علم يبحث في الأجرام العلوية وأحوالها، وقد عرف عند العرب باسم "علم الهيئة" أو "أحكام النجوم" لأنه ارتبط بدراسة تركيب الأفلاك وأحوال النجوم السماوية وأشكالها وأوضاعها ومقاديرها وأبعادها.
«كلٌّ في فلكٍ يسبحون»
فالأرض لو خرجت عن مدارها البيضاوي المعتاد لسبب ما، كنقص في قوة جاذبية الشمس مثلاً فستدخل في فوضى عدم الانتظام، وقد تختل الحياة فوقها، فتفقد الأجسام استقرارها فوق الأرض، رغم وجود جاذبية الأرض، لأن جاذبية الأرض تحفظ الأجسام فوق الأرض، ولكنها لا تحفظ الأرض نفسها من عدم الانتظام، أي من عدم انتظامها في مسارها وبقائها في فلكها ومدارها، وقد تقل سرعتها فتبرد وقد تزداد إذا ما خرجت عن مدارها، وقد تقترب من الشمس أكثر مما هي عليه، لتذوب وتتبخر بفعل حرارة الشمس الشديدة، وقد تبتعد فتبرد. وكلّ ذلك يحدث بسبب خروجها عن فلكها الذي تدور فيه حول نفسها أو عن فلكها الذي تدور فيه حول الشمس. لأنّ هذه الأفلاك هي التي تشد الكواكب والنجوم إليها فتحفظ عليها انتظامها واستمرارها في حركتها ودورانها.
وللمفسرين في جمل الآية آراء أخر مضطربة أضربنا عنها من أراد الوقوف عليها فليراجع المفصلات. قوله تعالى: " وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون " قال الراغب: الذرية أصلها الصغار من الأولاد، وتقع في التعارف على الصغار والكبار معا، ويستعمل للواحد والجمع وأصله للجمع. انتهى، والفلك السفينة ، والمشحون المملوء. آية أخرى من آيات ربوبيته تعالى وهو جريان تدبيره في البحر حيث يحمل ذريتهم في الفلك المشحون بهم وبأمتعتهم يجوزون به من جانب إلى جانب للتجارة وغيرها، ولا حامل لهم فيه ولا حافظ لهم عن الغرق إلا هو تعالى والخواص التي يستفيدون منها في ركوب البحر أمور مسخرة له تعالى منتهية إلى خلقه على أن هذه الأسباب لو لم تنته إليه تعالى لم تغن طائلا. (٩١)
الذهاب إلى صفحة:
««
«...
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96...
»
»»