وهذا من باب { ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض} كما تقدم في أول هذه السورة ( 5). والعُلوّ: التكبر عن الحق وعلى الخلق ، والطغيان في الأعمال ، والفساد: ضد الصلاح ، وهو كل فعل مذموم في الشريعة أو لدى أهل العقول الراجحة. وقوله { والعاقبة للمتقين} تذييل وهو معطوف على جملة { تلك الدار} وبه صارت جملة { تلك الدار} كلها تذييلاً لما اشتملت عليه من إثبات الحكم للعام بالموصول من قوله { للذين لا يريدون علواً في الأرض} والمعرف بلام الاستغراق. حسن العاقبة. و { العاقبة}: وصف عومل معاملة الأسماء لكثرة الوصف به وهي الحالة الآخرة بعد حالة سابقة وغلب إطلاقها على عاقبة الخير. وتقدم عند قوله تعالى { ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين} في [ الأنعام: 11]
حسن العاقبة
و(الكبر): هو الترفع واعتقاد الإنسان نفسَه أنه كبير، وأنه فوق الناس، وأن له فضلًا عليهم. و(الإعجاب): أن يرى الإنسان عمل نفسِه فيُعجَب به، ويستعظمه ويستكثره. فالإعجاب يكون في العمل، والكبر يكون في النفس، وكلاهما خلُقٌ مذموم؛ الكِبر والإعجاب. القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة القصص - الآية 83. والكبر نوعان: كبر على الحق، وكبر على الخلْق، وقد بيَّنَهما النبيُّ صلى الله عليه وسلم في قوله: ((الكبرُ بطَرُ الحق، وغمطُ الناس))؛ فبطر الحقِّ يعني رده والإعراض عنه، وعدم قبوله، وغمطُ الناس يعني احتقارهم وازدراءهم وألا يرى الناس شيئًا، ويرى أنه فوقهم. وقيل لرجل: ماذا ترى الناس؟ قال لا أراهم إلا مثل البعوض، فقيل له: إنهم لا يرونك إلا كذلك. وقيل لآخر: ما ترى الناس؟ قال: أرى الناس أعظم مني، ولهم شأن، ولهم منزلة، فقيل له: إنهم يرونك أعظم منهم، وأن لك شأنًا ومحلًّا. فأنت إذا رأيت الناس على أيِّ وجه، فالناس يرَوْنك بمثل ما تراهم به؛ إن رأيتهم في محل الإكرام والإجلال والتعظيم، ونزَّلتهم منزلتهم عرَفوا لك ذلك، ورأوك في محل الإجلال والإكرام والتعظيم، ونزَّلوك منزلتك، والعكس بالعكس. أما بطر الحق: فهو ردُّه، وألا يَقبَل الإنسان الحقَّ، بل يرفضه ويرده اعتدادًا بنفسه ورأيه، فيرى والعياذ بالله أنه أكبرُ من الحق، وعلامة ذلك أن الإنسان يؤتى إليه بالأدلة من الكتاب والسنة، ويقال: هذا كتاب الله، هذه سنة رسول الله، ولكنه لا يقبل؛ بل يستمرُّ على رأيه، فهذا ردُّ الحق، والعياذ بالله.
تحريم الكبر والإعجاب - محمد بن صالح العثيمين - طريق الإسلام
«شرح رياض الصالحين» (3/ 535- 541) باب: تحريم الكبر والإعجاب
باب: تحريم الكبر والإعجاب قال الله تعالى: { تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص: 83]. وقال تعالى: { وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا} [الإسراء: 37]. تلك الدار الاخره نجعلها للذين. وقال تعالى: { وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [لقمان: 18]. ومعنى { تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ}؛ أي: تُمِيله وتُعرِض به عن الناس تكبُّرًا عليهم، "والمرح": التبختر. وقال تعالى: { إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} [القصص: 76] إلى قوله تعالى: { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ} [القصص: 81] الآيات. قَالَ سَماحةُ العلَّامةِ الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -: قال المؤلِّف النووي - رحمه الله - في كتاب " رياض الصالحين ": فيما جاء في الكبر والإعجاب.
تلك الدار الاخرة نجعلها❤️❤️❤️ - Youtube
هذه التزكية بحاجة إلى تربية وجهد وعناء وصبر وعزيمة وإصرار وتوكّل وإرادة، وبالتالي يصبح عندنا ضمانة للتقوى ولحسن العاقبة (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا) (الشمس/ 9)، (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) (الأعلى/ 14). وفي الختمام نذكر أنّ هناك أعمالاً خاصّة تساعد على حسن العاقبة، منها قضاء حوائج الإخوان والإحسان إليهم، فعن الإمام الكاظم (ع): "إنّ خواتيم أعمالكم قضاءُ حوائج إخوانكم والإحسان إليهم ما قدرتم، وإلّا لم يقبل منكم عمل، حنّوا على إخوانكم وارحموهم تلحقوا بنا". نسأل الله سبحانه وتعالى حُسن العاقبة، وأن يختم لنا بخير، وأن يُعيننا على أنفسنا، وعلى ابتلاءاتنا، وعلى اختبارتنا، وعلى امتحاناتنا؛ لنكون إن شاء الله من أهله ومن أهل جنّته ورضوانه ومن أهل جواره، وهذا ما يحتاج إلى الدعاء والنيّة والعزم والإرادة والجهد. تحريم الكبر والإعجاب - محمد بن صالح العثيمين - طريق الإسلام. ►
المصدر: كتاب مواعظ شافية/ سلسلة الدروس الثقافية (37)
القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة القصص - الآية 83
تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ | الشيخ محمد صديق المنشاوى - YouTube
حسين العاقبة: دعاءُ النبيّ (ص) والأئمّة (عليهم السلام):
إنّ الذي يجب أن يشغل دينه وسلوكه وأخلاقه والتزامه، التزامه الفكري والسياسي والعمليّ. فهذا الذي ينبغي أن يشغل حيّزاً كبيراً من تفكيره؛ ولهذا نجد في الأدعية عن النبيّ (ص) وأهل بيته (ع) الطلب من الله أن يختم حياتهم بالخير وأن يرزقهم حسن العاقبة وأن يجعل عواقب أمورهم خيراً. وهنا، علينا أن نفكّر ماذا ينبغي أن نفعل لتكون خاتمتنا طيّبة فتحسن عاقبتنا؟ وما هي الأمور التي علينا أن نحذر منها ونبتعد عنها حتى لا تسوء عاقبتنا؟
عوامل مؤثّرة في العاقبة:
إنّ العوامل والأمور المؤثّرة في هذا المقام، كثيرة، ولكنّنا سنتعرّض للمهمّ والمؤثر منها:
1- الأمن من مكر الله سبحانه وتعالى:
ويكون ذلك من خلال اطمئنان الإنسان إلى عمله الماضي واعتبار نفسه متديّناً، مجاهداً ومضحّياً... تلك الدار الاخره نجعلها. وقد يصل به ذلك إلى الإعجاب بعمله والاغترار به. وهذا الأمن من مكر الله سبحانه يؤدّي إلى نتائج سلبيّة على المستوى الروحيّ. ومع الوقت يجد الإنسان نفسه في مكان آخر؛ مع العصاة والظالمين. يقول أمير المؤمنين (ع) في نهج البلاغة: "يا ابن آدم إذا رأيت ربّك سبحانه يتابع عليك نعمه وأنت تعصيه فاحذره".