فأرادوا أن يتوقفوا ويرسلوا إلى رسول الله ليعلموه فشجعهم عبدالله بن رواحة على المضي إلى الجهاد. وسمعه زيد بن أرقم ذات ليلة يقول:
إذا أدنيتني وحملت رحلـي
مسيرة أربع بعد الحســاء
فشأنك فانعمي وخلاك ذم
ولا أرجع إلى أهلي ورائـي
وجاء المؤمنـون وغادروني
بأرض الشام مشهور الثّواء
فبكى زيد، فضربه عبدالله بالدرة وقال: «ماعليك يا لكع أن يرزقني الله الشهادة وترجع أنت». ولمادار القتال استشهد زيد وجعفر فحمل الراية عبدالله وهو يقول:
يا نفـس إلا تُـقـتَـلي تمـوتـي
هـذا حياض الموت قد صليت
ومــا تـمـنـيـت فــقــد لــقـيـت
إن تـفـعــلي فـعلـهـمـا هـديـت
وإن تـأخــرت فــقـد شـــقـيـت
ثم قال: «يا نفس إلى أي شيء تتوقين؟ إلى فلانة -امرأته- فهي طالق وإلى فلان وفلان -غلمانه- فهم أحرار وإلى بستان له فهو لله ولرسوله». عبد الله بن رواحة - الكلم الطيب. ثم قال:
يانفس مالك تكرهين الجنة
أقسم بالله لتنزلنــه
طائعة أو لتكرهنــــه
فطالما قد كنت مطمئنة
فاندفع يقاتل ببسالة لا مثيل لها، فطعن فاستقبل الدم بيده فدلك به وجهه وقال: «يا معشر المسلمين ذبوا عن لحم أخيكم»، وظل يقاتل حتى لقي ربه. وأخبر الوحي رسول الله صلى الله عليه وسلم بما حصل في الغزوة فحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة بذلك والمعركة مازالت تدور.
رجال صدقوا: عبدالله بن رواحة
قال أنس: دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة في عمرة القضاء، وابن رواحة بين يديه يقول: خلّوا بني النجار عن سبيله اليوم نضربكم على تنزيله ضرباً يزيل الهام عن مقيله ويذهل الخليل عن خليله فقال عمر: يا ابن رواحة!! في حرم الله، وبين يدي رسول الله تقول الشعر؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم خلّ يا عمر، فهو أسرع فيهم من نضح النبل، وفي لفظ: فوالذي نفسي بيده لكلامه أشد من نضح النبل أخرجه الترمذي. وأخرج ابن سعد بسنده عن قيس بن أبي حازم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لابن رواحة: أنزل فحرك الركاب.
عبد الله بن رواحة - الكلم الطيب
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: وأنت فثبتك الله يا بن رواحة، قال هشام بن عروة:فثبته الله أحسن الثبات، ففتحت له أبواب الجنة فدخلها شهيداً. ومن أحسن ما مدح به النبي صلى الله عليه وسلم: لو لم تكن فيه آيات مبينة كانت بديهته تنبيك بالخير وفي يوم كان النبي صلى الله عليه وسلم جالسا مع أصحابه وأقبل عبد الله بن رواحة، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم: كيف تقول الشعر إذا أردت أن تقول؟ فأجاب عبد الله: أنظر في ذاك ثم أقول.. ومضى على البديهة ينشد: يا هاشم الخير إن الله فضلكم على البرية فضلا ما له غير إني تفرست فيك الخير أعرفه فراسة خالفتهم في الذي نظروا ولو سألت أو استنصرت بعضهم في حل أمرك ما ردوا ولا نصروا فثبت الله ما آتاك من حسن تثبيت موسى ونصرا كالذي نصروا فسر النبي وقال له: وإياك، فثبت الله. ولما سمعه عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: يا ابن رواحة أفي حرم الله وبين يدي رسول الله؟! رجال صدقوا: عبدالله بن رواحة. فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم: خل عنه يا عمر فوالذي نفسي بيده لكلامه أشد عليهم من وقع النبال. كان المسلمون المهاجرون منهم والأنصار يحفظون شعر عبد الله بن رواحة عن ظهر قلب ويرددون أناشيده الجميلة في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ابن رواحة سعيدا بحب المسلمين، ويكثر من الشعر كلما شعر بهذا الحب حتى نزلت الآية الكريمة: والشعراء يتبعهم الغاوون فحزن حزناً شديداً، وقرر أن يترك إنشاد الشعر ولكنه سرعان ما استرد غبطة نفسه وواصل مهمته في الدفاع عن الإسلام بشعره بعد نزول آية أخرى إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً وانتصروا من بعد ما ظلموا.
وهو أحد شعراء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال ابن سيرين كان شعراء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن رواحة، وحسان ابن ثابت، وكعب بن مالك. وقال ابن سيرين: كان حسان وكعب يعارضان المشركين بمثل قولهم بالوقائع والأيام والمآثر، وكان ابن رواحة يعيرهم بالكفر، وينسبهم إليه، فلما أسلموا وفقهوا كان أشد عليهم. بل لقد كان النبي- صلى الله عليه وسلم -يتمثل بشعره؛ فعن عائشة كان يتمثل النبي- صلى الله عليه وسلم -بشعر عبد الله بن رواحة، وربما قال: ويأتيك بالأخبار من لم تزود. وهو أحد أمراء الجهاد في مؤتة، فقد قيل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما جهز إلى مؤته الأمراء الثلاثة، فقال:(الأمير زيد فإن أصيب فجعفر فإن أصيب فابن رواحة). فلما قتلا كره ابن رواحة الإقدام فقال: أقسمت يا نفس لتنزلنه طائعة أو لا لتكـرهــه فطالمأ قد كنت مطمئنة ما لي أراك تكرهين الجنة فقاتل حتى قتل. وقال أيضا: يا نفس إن لا تقتلي تمــوتي هذا حمــام الموت قد لقيت وما تمنـيت فقــد أعطـيت إن تفعلي فعلـهما هــديت وفضائله ومناقبه كثيرة جداً. وفاته: استشهد ابن رواحة يوم مؤتة. مصادر الترجمة: الإصابة (2/306 – 307). والسير (1/230).