انتقل عن الدنيا الفانية؛ دار الاختبار والابتلاء، إلى دار الصدق والبقاء، إلى جوار ربه أرحم الرحماء، علَّامة اليمن، مجدد مدرسة الاجتهاد الشوكاني الإمام القاضي محمد بن إسماعيل العمراني.. اللهم ارفع درجته في عليين، واخلفه في عقبه في المهديين، واغفر لنا وله أجمعين:
رحل العلم والتأصيل والتعليل والتدليل، ومات التحقيق والتدقيق: حوت سيرته الدرر والجواهر، وازدانت بذكره المآثر، وارتفعت بذكر اسمه المفاخر، وسالت بالثناء عليه المحابر، فانظر لصنعاء المزدانة بجنازة حافلة سدت الطرقات في يوم حزين يخاطبها تلميذه المثيل، فيقول:
صنعاءُ ما لَكِ!! هذا الصبح مختلفٌ ماذا أصابكِ؟!
نوادر القاضي العمراني – الوحدة نيوز
Advertisements صنعاء – "اليمني الأميركي"
ربما لم تشهد صنعاء في القرن الواحد والعشرين جنازة كجنازة مفتي اليمن، العلامة المجتهد المجدد القاضي محمد بن إسماعيل العمراني، الذي تُوفّي فجر اليوم الاثنين، 12 يوليو/ تموز، عن عمرٍ يناهزُ المئة سنة، قضى ثمانية عقود منه في خدمة العلم والاجتهاد الديني، حتى صار من أبرز علماء اليمن متربعًا على كرسي الفتوى لعقود، ملتزمًا الوسطية والاعتدال. نعى اليمنيون في مواقع التواصل الاجتماعي رحيل العلَم العالِم محمد بن إسماعيل العمراني، كما لم ينعوا غيره من قبل، واعتبروا رحيله خسارة كبيرة لن تُعوّض في المستقبل المنظور؛ لِما تميَّزَ به من التزامٍ وتسامحٍ في علاقته بالمذاهب، علاوةً على سعة علمه كعالمٍ كبير في الفقه والحديث، حتى كانت فتواه محلّ تقدير العلماء الذين شهدوا له بعلوّ كعْبه، ورِفْعة شأنه.. فهو عالِم نهَلَ من أمهات علوم الشريعة الإسلامية، واقتفى أثر شيخ الإسلام محمد بن علي الشوكاني الذي أخذ جده منه العلم؛ ولِهذا سُمّي العلامة محمد بن إسماعيل العمراني بشوكانيّ عصره. رحيل أمة.. القاضي محمد بن إسماعيل العمراني رحمه الله - بصائر المعرفة القرانية. امتداد مدرسة الشوكاني
يتحدثُ لـ"اليمني الأميركي" الكاتب والناقد، وأحد تلاميذ القاضي العمراني، أحمد ناجي أحمد النبهاني، قائلاً: « لقد تركَ العالِم الرباني المجتهد الشيخ العلامة القاضي محمد بن إسماعيل العمراني فراغًا كبيرًا لا يمكنُ ملؤه ربما لعقودٍ من الزمن ».
رحيل أمة.. القاضي محمد بن إسماعيل العمراني رحمه الله - بصائر المعرفة القرانية
توفي فجر اليوم الاثنين، القاضي العلامة، محمد بن اسماعيل العمراني، عن عمر ناهز المائة عام، وذلك بعد تدهور متقطع لصحته خلال الشهور الماضية. و قال "عبدالرزاق" نجل القاضي العمراني، الذي أكد الخبر على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، إن التشييع والصلاة على الجنازة ستكون اليوم الاثنين، وقت صلاة الظهر بمسجد الزبيري في صنعاء. نوادر القاضي العمراني – الوحدة نيوز. وكان القاضي العمراني قد تعرض لوعكة صحية نهاية الشهر الماضي وأُدخل على اثرها المشفى وتحسنت حالته ونقل للمنزل، الا ان وضعه الصحي تدهور مطلع الشهر الجاري وتم اسعافه لاحد مستشفيات العاصمة، وتوفي فجر اليوم. وينحدر القاضي العمراني من مدينة صنعاء التي ولد فيها سنة 1922م، ونشأ ودرس فيها على يد كبار العلماء والقضاة. ويعتبر القاضي العلامة محمد العمراني أشهر علماء اليمن المعاصرين ومرجعيتهم فيما يتعلق بالعلوم الشرعية والفقهية، كما انه شغل منصب مفتي الجمهورية اليمنية إلى أن جاء الحوثيين وعينوا أحد افراد السلالة مفتياً لهم.
The Yemeni American &Raquo; اليمنُ يودّعُ مفتي الجمهورية العلّامة محمد بن إسماعيل العمراني
ولا أنسى أن أذكر أن الشيخ لم يكتف بالدراري المضية حتى قرأ علينا (الروضة شرح الدرر البهية) لأبي الطيب محمد صديق بن حسن بن لطف الله القِنَّوجِي البخاري الحسيني أمير مملكة بهوبال (ت1307ه)، وتعجب من ذلك؛ لأن صديق حسن خان كأنما نقل شرحه من الدرر البهية، لكن شيخنا -رفع الله مقامه- كان يأبى إلا أن يسطر آيات الوفاء لمن احتفى بالتراث اليمني، ويعلمنا الاعتدال في الكلام عند النقل عن الأئمة الأعلام. ومضت المجالس المنيفة، فإذا بشيخنا تمتد أنواره، ليحمسنا لقراءة نوادر الكتب، فشرع في كتاب (فتح الغفار الجامع لأحكام سنة نبينا المختار) للإمام الحسن بن أحمد بن يوسف بن محمد بن أحمد الرُّباعي الصنعاني (ت 1276هـ)، وهذا الكتاب أجمع كتب أحاديث الأحكام، وكان شيخنا يعبر عن ألمه لتضييع أهل اليمن لعلمائهم، فكتاب الرباعي أجمع من كل كتب أحاديث الأحكام، ولكن العالم عن غافلون؛ إذ لم ينهض اليمنيون لإبرازه وإعزازه. وتوالت نجوم العلوم في تدريسه المأمون، فكان من الدروس التي لا أنساها: (وبل الغمام) وهو حاشية قاضي قضاة القطر اليماني محمد بن علي الشوكاني على شفاء الأُوَام في أحاديث الاحكام للأمير الحسين بن بدر الدين محمد الحسني.
القاضي العمراني @Al_3Mrani , Twitter Profile - Twstalker.Com
وصحبت القاضي -رفعه الله مكانا عليا، وكان به حفيًّا- في حجه غير مرة حيث كنت تراه وهو في الثمانينات يسير على قدميه متنقلًا من محل إقامته إلى الحرم بخفة لا تعهدها فيمن هو مثله، ثم يتكئ على عموده عند المؤذنية حيث يجتمع اليمانيون لتنهال عليه أسئلتهم، وهو لا يسأم من الإجابة على ما يرد منهم، وتجد بعضهم يميل بنزقه، وسوء خلقه في مساءلته فإذا به يذهب ذلك عنه بحلاوة أسلوبه، وجمال تناوله، وأسلوبٍ فريد عزيز، وفكاهته التي تصحبها ابتسامة هي الذهب الإبريز. ولا تجد اليمن مجمعة على إمامة أحد كما أجمعت على إمامة محمد بن إسماعيل العمراني.. يحاول رسل الظلام أن يمحوا ذكر ذلك النور الساري.. أفيستطيعون، وقد قال الله تعالى في الحديث القدسي: ((من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب))؟ ها هي الجنائز بيننا وبينهم تشهد (وكفي بالله شهيدًا).
كما جمعتني بها دورات تكوينية وملتقيات تربوية كان خلالها مصدر المعرفة والإلهام. بعد ثورة الحرية والكرامة، وإثر تعثّر المسار الرسمي لإصلاح المنظومة التربوية، وأمام حراك جمعيات المجتمع المدني التحق بالزخم المجتمعي عبر جمعيته التي نعرفها منذ أن كنّا طلبته (الجمعية التونسية لعلوم التربية). انطلقت علاقة مودة ومودة جديدة بيني وبين أستاذي د. محمد بن فاطمة سواء في اللجنة العلمية للائتلاف المدني أو في مكتبه التنفيذي حيث تكفلت بمهمات اتصالية وإعلامية وتنظيمية فلمست فيه الأستاذ الرفيع والعالم المتواضع والناشط المخلص المضحي بوقته وماله من اجل المصلحة العامة. كانت لقاءاتي معه منذ 2015 عديدة، أحيانا في اجتماعات رسمية في تونس أو سوسة أو ندوات الائتلاف المدني للتعريف برؤيتنا الإصطلاح التربوي على قواعد علمية سليمة ووفق مقاربات اجتماعية وطنية خاصة ببلادنا. كما جمعتني به لقاءات ثنائية كثيرة سواء لتناول لمجة خفيفة في شارع خير الدين، بعدما يفتح لنا القطب المدني للتنمية وحقوق الإنسان -مشكورا- فضاءاته، أو كاس شاي اخضر بالنعناع في شارع الحرية أو تذوّق قهوة تركية محلاّة بقليل من السكر الطبيعي في مقر أصدقائه "علماء الفلسفة" في باب الجزيرة.. أطعمة غلال البحر في استراحات سوسة بعد ندوات عديدة نظمناها في إقليم الساحل الكريم المعطاء.