أما غير الحاج، فالسنة أن يصوم يوم عرفة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "صيام يوم عرفة، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده"(9). ويوم عرفة من الأيام الفاضلة، تجاب فيه الدعوات، وتقال العثرات، ويباهي الله فيه الملائكة بأهل عرفات، وهو يوم عظَّم الله أمره، ورفع على الأيام قدره، وهو يوم إكمال الدين وإتمام النعمة، ويوم مغفرة الذنوب والعتق من النيران. ولذلك ينبغي للمسلم حاجا أو غير حاج أن يعتني بالدعاء فيه بجد وإخلاص، فيدعو بالمأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم وبغيره، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أفضل الدعاء، دعاء يوم عرفة. وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله، وحده، لا شريك له"(10). قال الإمام النووي: «ويكثر من التلبية رافعًا بها صوته، ومن الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينبغي أن يأتي بهذه الأذكار كلها، فتارة يهلِّل، وتارة يكبِّر، وتارة يُسبِّح، وتارة يقرأ القرآن، وتارة يصلِّي على النبي صلى الله عليه وسلم، وتارة يدعو، وتارة يستغفر. ويدعو مفردًا، وفي جماعة، وليدعُ لنفسه ولوالديه ومشايخه وأقاربه وأصحابه وأصدقائه وأحبائه، وسائر من أحسن إليه، وسائر المسلمين، وليحذر كل الحذر من التقصير في شيء من هذا، فإن هذا اليوم لا يمكن تداركه بخلاف غيره.
سنن يوم عرفة وعيد الأضحى
إن الليالي والأيام، والشهور والأعوام، تمضي سريعا، وتنقضي سريعا؛ هي محط الآجال؛ ومقادير الأعمال فاضل الله بينها فجعل منها: مواسم للخيرات، وأزمنة للطاعات، تزداد فيها الحسنات، وتكفر فيها السيئات، ومن تلك الأزمنة العظيمة القدر الكثيرة الأجر يوم عرفة تظافرت النصوص من الكتاب والسنة على فضله وسأوردها لك أخي القارئ حتى يسهل حفظها وتذكرها:
1- يوم عرفة أحد أيام الأشهر الحرم قال الله- عز وجل-: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) [سورة التوبة: 39]. والأشهر الحرم هي: ذو القعدة ، وذو الحجة ، ومحرم ، ورجب ويوم عرفه من أيام ذي الحجة. 2- يوم عرفة أحد أيام أشهر الحج قال الله - عز وجل-: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ) [سورة البقرة: 197] وأشهر الحج هي: شوال ، ذو القعدة ، ذو الحجة. 3- يوم عرفة أحد الأيام المعلومات التي أثنى الله عليها في كتابه قال الله - عز وجل-: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) [سورة الحج:28]. قال ابن عباس –رضي الله عنهما: الأيام المعلومات: عشر ذي الحجة.
سنن يوم عرفة بندر بليلة مولود
غدا هو يوم عرفة التاسع من شهر ذي الحجة، أفضل الأيام عند الله، وفيه يقف الحجيج على جبل عرفات، في ركن الحج الأعظم، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- "الحج عرفة"، ويستحب الإكثار من العمل الصالح في ذلك اليوم، طلبا للأجر والثواب العظيم وامتثالاً لأمر الله عز وجل. فضل صيام يوم عرفة
فقد ورد عن أبي قتادة أن رسول الله سئل عن صوم يوم عرفة فقال: "يكفر السنة الماضية والسنة القابلة". (رواه مسلم). وهذا إنما يستحب لغير الحاج، أما الحاج فلا يسن له صيام يوم عرفة؛ لأن النبي ترك صومه، وروي عنه أنه نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة. دعاء يوم عرفة
وقال عليه الصلاة والسلام: (ما من عبد يصوم يوماً في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً) متفق عليه. قال الإمام النووي عن صوم أيام العشر: "انه مستحب استحباباً شديداً". وأما عن كيفية قضاء النبي لهذا اليوم، فننقل ما جاء في شبكة صيد الفوائد عن ابن القيم رحمه الله، حيث قال:
"لما طلعت شمس يوم التاسع سار رسول الله صلى الله عليه وسلم من منى إلى عرفة ، وكان معه أصحابه ، منهم الملبي ومنهم المكبر، وهو يسمع ذلك ولا ينكر على هؤلاء ولا على هؤلاء، فنزل بنمرة حتى إذا زالت الشمس أمر بناقته القصواء فرحلت، ثم سار حتى أتى بطن الوادي من أرض عرنة، فخطب الناس وهو على راحلته خطبة عظيمة قرر فيها قواعد الإسلام، وهدم فيها قواعد الشرك والجاهلية، وقرر فيها تحريم المحرمات التي اتفقت الملل على تحريمها.
(2) الإشراف على مذاهب العلماء (3/311) مسألة (1500). (3) فتح القدير (2/470، 471). (4) بداية المجتهد (2/112). (5) رواه مسلم في الحج (1218)، وأحمد (14440)، عن جابر. (6) المغني (3/410)، والحديث جزء من الحديث السابق. (7) متفق عليه: رواه البخاري (1988)، ومسلم (1123)، كلاهما في الصيام. (8) متفق عليه: رواه البخاري (1989)، ومسلم (1124)، كلاهما في الصيام. (9) المغني (3/410)، والحديث رواه مسلم (1162)، وأبو داود (2425)، وكلاهما في الصوم، عن أبي قتادة. (10) رواه الترمذي في الدعوات (3585) واستغربه، ونقل المنذري في "الترغيب والترهيب" (2369)، عن الترمذي أنه قال: حديث حسن غريب، وقال الألباني في صحيح الترغيب (1536): حسن لغيره، عن عبد الله بن عمرو. (11) المجموع شرح المهذب (8/115، 116)، وانظر: الإيضاح في مناسك الحج والعمرة صـ286-288.