باختصار، فإن العلاجات المجتمعية، وليس الدينية، هي التي يجب أن تكون مدار بحثنا لمعالجة التطرف الفكري الديني. من الواضح أن داعش ذاته يفهم هذه الظاهرة. ففي مقابلة أجريتها مع واحد من الذين كانوا يعدون مفكري داعش، بادرني بالسؤال: ألم تسأل نفسك كيف استطاع داعش تجنيد عشرات آلاف المقاتلين خلال فترة زمنية وجيزة وأن يمد نفوذه بهذا الشكل في العراق وسورية وسواهما، ويقيم (دولة خلافة)، في حين أن تنظيم القاعدة الذي هو الأب الفكري لداعش وأسبق منه بعقود من الزمن لم يستطع أن تحقق مثل هذا (الإنجاز الداعشي)؟ قلت: كيف؟ قال، لأننا ببساطة لم نركز على البعد العقائدي والفكري في تجنيد الاتباع، وإنما على البعد النفسي الاجتماعي السياسي. نقابات تعليمية تكشف عن "خرق في تدبير الموارد البشرية" بمديرية الرحامنة - المراكشي. كل من له مظلمة أو عداء مع النظام يتم تجنيده أولاً ثم يغسل دماغه فكرياً بعد ذلك. وليست الحركة الصرخية (مثلها مثل داعش) إلا عربة نقل يمكن أن يركب فيها كل من يريد الوصول لغاية محاربة النظام أو الانتقام من الوضع الراهن أو للتعبير عن سخطه ومعارضته للوضع الذي يعانيه. ولذلك، فإن إصلاح الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية هو المفتاح لحل المشكلة، مع الإقرار بأن بعض المعالجات الأمنية قد تكون مطلوبة.
انستقرام حركات سكاكا الآن
فخلال خطبة الجمعة الماضية، دعا علي المسعودي، أحد الأتباع الصرخيين، إلى تدمير المزارات الدينية الشيعية، ما أثار احتجاجات غاضبة وعمليات اعتقال. وكان أبرز ما استرعى انتباهي وأنا أشاهد فيديوهات خطبة الجمعة السابقة التي من الواضح أنها كانت موحدة ومنسقة وموقتة (أي مدروسة التوقيت)، ليست الرسالة المتطرفة التي تضمنتها الخطبة فقط، بل الرسل الذين حملوا هذه الرسالة، وهم جميعا شباب صغار السن! وكنت قد لاحظت هذه الظاهرة (صغر سن المتطرفين) عند مقابلتي للدواعش في سجنهم؛ فقد انضم أغلبهم إلى داعش في عمر المراهقة أو بداية الشباب. أبرز ما يميز الشباب الصغار نفسياً هو حاجتهم النفسية العالية إلى التميز. وهذه الحاجة الطبيعية التي تدفع كل البشر إلى محاولة إثبات أنفسهم أو إشباع شعورهم بالأهمية، سواء من خلال وسائل بناءة (العمل أو النجاح الدراسي… إلخ) أو هدامة (الأجرام، التطرف… إلخ) تزداد بشدة بين الشباب. راوزي: أفضل الاصطدام فهي أسهل حركة لي | المكلا نت. ولذلك، فإن رفع مستوى التحدي أمام شباب هذه الحركات من خلال المعالجات الأمنية فقط لن يقضي على التطرف، بل سيزيده حتما. كما أن من الخطأ الاعتماد على المعالجة الفكرية الدينية فحسب لعلاج التطرف. مهما حاول رجال الدين المعتدلون أثبات أن الدين و/أو المذهب وسطيان ومعتدلان في طبيعتهما الفكرية، وهذه الحقيقة تصح في كل الأديان، فلن يكون من الصعب على منظري تلك الحركات الدينية المتطرفة (ومن بينها الصرخية) استخراج النصوص والأحداث الدينية التي تدعم وجهة نظرهم المتطرفة والتي تمتلئ بها كتب الدين التي كتبت قبل 10-14 قرناً مضت ولم يتم إيلاء العناية الكافية لتنقيحها.
الخرطوم الحاكم نيوز أعلنت حركة كوش السودانية ان مايحدث من تكرار لجرائم القتل والتطهير العرقي في ولاية غرب دارفور "منطقة كرينك" هو بمثابة شهادة وفاة لاتفاق سلام دارفور وخاصة ما يخص بند الترتيبات الأمنية. ودعت الحركة في بيان لها قادة الجبهة الثورية المشاركين في الحكومة ان يتحملوا مسؤوليتهم التاريخية ويكشفوا حقيقة ما يحدث لمواطنيهم في ولاية دارفور. وأضافت: لقد اكدت الأحداث الجارية الآن في ولاية غرب دارفور صحة موقف حركة تحرير كوش فيما قدمته من مطالب في مؤتمر الدمازين الأخير بخصوص ضرورة إنسحاب ممثلي الجبهة الثورية في المجلس السيادي والأجهزة التنفيذية من الحكومة التي وصفتها بالانقلابية وصحة قرار تجميد عضويتها في الجبهة الثورية لعدم جدية العسكريين في تنفيذ اتفاق سلام السودان. انستقرام حركات سكاكا الآن. وطالبت حركة تحرير كوش بفتح تحقيق دولي في كل الانتهاكات التي حدثت في ولاية دارفور والتي تكررت عدة مرات منذ توقيع اتفاق سلام السودان في جوبا وكذلك أحداث القتل والتصفية التي حدثت لاكثر من 95 شهيدا من الثوار السلميين في الخرطوم بعد ما وصفته ب انقلاب البرهان في 25 اكتوبر 2021م. ودعت حركة تحرير كوش بعثة الامم المتحدة بقيادة فولكر التحرك فورا بأتخاذ التدابير الأمنية التي تحمي المواطنين الأبرياء من القتل والتنكيل والتطهير العرقي في دارفور في ظل فشل الأجهزة العسكرية والأمنية والدعم السريع بل ووجود دلائل واضحة و قوية بمشاركة هذه الاجهزة في هذه الانتهاكات وتفعيل البند السابع الذي يسمح بتدخل قوات دولية لحماية المواطنين في دارفور.
و من مثل ذلك أن الخوف (حتى و إن قلت مبرراته المنطقية) قد يطغى على تفكير بعض البشر فيصبح غير قادر على اتخاذ حكم أو قرار صائب. و من مثل أيضا طغيان الحب أوالهوى. و من القرءان نقرأ قول الحق (قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِن كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ) ق/27. ما أطغيته أي لم اجعل فكره يحور و يميل نحو الكفر بل كان هو أصلا في ضلال بعيد. الطغيان الفكري
بناء على ما سبق من تعريفات ، نقول أن البعض ممن يعتبرون أنفسهم مسلمين و يحسبون أنهم يحسنون صنعا ، البعض (الكثير) منهم يقع ضحية الطغيان في أفكاره التي يتبناها (بغض النظر عن البيئة التي استقى منها أفكاره تلك).. الذين يحسبون أنهم يحسنون صنعا (2). و الطغيان في الافكار ببساطة هو ترجيح و تقوية و تضخيم فكرة ما على حساب باقي الافكار الاخرى ، بحيث تصبح تلك الفكرة هي السمة الابرز في كافة أفكار ذلك الرجل (الطاغي). و باللغة العامة يطلق مرادف التعصب/ التشدد (رغم الاختلاف في الاسس بين هذه و تلك إذ أن التعصب لا يحدث إلا بعد حدوث الطغيان – فلا يتعصب شخص لشيء ليس ذات قيمة عنده – سنعطي أمثلة توضح هذه الفكرة). نقرأ قوله تعالى (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)هود/112 – إذ أن هذه الاية محيرة في لماذا و كيف جمعت ما بين الاستقامة و الطغيان!!
الذين يحسبون أنهم يحسنون صنعا (2)
و الله من وراء القصد
احْذَر أن تكون من الأخسرين أعمالاً - منتدى افريقيا سات
و الجواب (في ظل التعريفات السابقة) على ذلك بسيط: إذ أن البعض عند تبنيه لافكار (مستقيمة) فإنها يتبناها بطغيان هائل. فقوله لا تطغوا يعود على الاستقامة – أي لا تطغوا في الاستقامة – (وهذا مرادف للهجة العامية = ماتزوّدوهاش اكتير) – مما يوحي أن الطغيان قد يحدث حتى في الامور الحقة في هذا الدين كطريقة حياة. كيف يحدث الطغيان الفكري
حسنا ، لنعطي امثلة توضح الكلام الفرنسي الذي كنا (انا و غيري) دائما نردده في تعليقاتنا. وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا. فمثلا: قول الله تعالى (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) مجادلة/22 هذه الاية ببساطة تدعو الى رفض مودة كل من يحاد (يحارب) الله و رسوله. هذه الاية قد ترسخ في ذهن بعض الناس (أسميهم مناطحين مرة أخرى) و بالتالي مع قرءاة مزيد من الايات التي تفصل الناس الى مسلمين و كافرين.. يبدأ وقع تلك الاية على الذهن بالتضخم و معناها بالانحراف.. و شيئا ً فشيئاَ.. و بمنطق غبي جداجداجدا (هو مغلوطة منطقية أيضا) مفاده أن كل الكافرين يحاربون الله و رسوله.. نجد اولئك المناطحين يجعل تلك الاية كأنها تقول: عليكم رفض المودة و التضييق على كل شخص غير مسلم.
هذا التغيير الجذري في معنى الاية (عن طريق المنطق الغبي – الموجود عند الكثيرين - في التعميم أيضا) إنما ادى الى طغيان واضح و فاضح في معنى الاية... فإن قام ذلك المناطح برفع تلك الاية الى مصف كأنها تعادل القرءان كله لاهميتها و بدأ يجاهد في تطبيقها (مستخدما مرة اخرى أروع و أقذع ما يمكن لسانه أن يوحي اليه) عندها نقول انه وقع في التعصب و التشدد لتلك الفكرة التي طغت على دماغه.. احْذَر أن تكون من الأخسرين أعمالاً - منتدى افريقيا سات. حل المشكلة
إذا نلخص ما قلنا: أن الطغيان الفكري إنما يعني أن نأخذ فكرة من بين أفكار متعددة و نطلقها و نضخمها و نتخيل لها أثرا أكبر مقارنة مع باقي الافكار.. متناسين الكثير من الادلة الاخرى و التي من شأنها تخفيف وزن تلك الفكرة. فإذا عرفنا تلك المشكلة- فما هو الحل؟ - الحل من قوله تعالى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)بقرة/143. فقوله وسطا قد يعني توسط زماني أو وظيفي و قد يعني أيضا توسط فكري – أي عدم طغيان فكرة واحدة على حساب أفكار أخرى (مكافئة). و لكن يبقى السؤال التطبيقي: كيف نفعل ذلك ؟ - الجواب مرة أخرى من كتاب الله (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ)زمر/18.