حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة) قال: هذا المنافق، إن صلحت له دنياه أقام على العبادة، وإن فسدت عليه دنياه وتغيرت انقلب، ولا يقيم على العبادة إلا لما صَلَح من دنياه. وإذا أصابته شدّة أو فتنة أو اختبار أو ضيق، ترك دينه ورجع إلى الكفر. وقوله ( خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ) يقوله: غَبِن هذا الذي وصف جلّ ثناؤه صفته دنياه، لأنه لم يظفر بحاجته منها بما كان من عبادته الله على الشك، ووضع في تجارته فلم يربح والآخرة: يقول: وخسر الآخرة، فإنه معذّب فيها بنار الله الموقدة. وقوله ( ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) يقول: وخسارته الدنيا والآخرة هي الخسران: يعني الهلاك المبين: يقول: يبين لمن فكّر فيه وتدبره أنه قد خسر الدنيا والآخرة. واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته قراء الأمصار جميعا غير حميد الأعرج ( خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ) على وجه المضيّ. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ. وقرأه حميد الأعرج ( خاسِرًا) نصبا على الحال على مثال فاعل.
يعبد الله على حرف
وعبادة ذاك ودعاؤه هو الذي ضره، فهذا الضر المضاف إليه غير الضر
المنفى عنه، فضرر العابد له بعبادته يحصل فى الدنيا والآخرة.
وإن كان عذاب الآخرة أشد، فالمشركون الذين عبدوا غير الله حصل لهم
بسبب شركهم بهؤلاء من عذاب الله فى الدنيا ما جعله الله عبرة لأولى
الأبصار، قال الله تعالى: { ذَلِكَ
مِنْ أَنبَاء الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ
وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـكِن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ
عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ مِن شَيْءٍ
لِّمَّا جَاء أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ
تَتْبِيبٍ} [هود: 100- 101]، فبين أنهم لم تنفعهم بل
ما زادتهم إلا شرًا. "ومن الناس من يعبد الله على حرف" - جريدة الغد. وقد قيل فى هذا، كما قيل فى الضر. قيل: ما زادتهم
عبادتها،وقيل: إنها فى القيامة تكون عونًا عليهم فتزيدهم شرًا، وهذا
كقوله: { وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ
اللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا كَلَّا سَيَكْفُرُونَ
بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا} [ مريم :
81- 82]، والتتبيب. عبر عنه الأكثرون: بأنه التخسير، كقوله تعالى: { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ}
[المسد: 1]، وقيل: التثبير والإهلاك، وقيل: ما زادوهم إلا
شرًا، وقوله: { فَمَا أَغْنَتْ
تَتْبِيبٍ} [هود: 101]، فعل ماض يدل على أن هذا كان فى
الدنيا، وقد يقال: فالشر كله من جهتهم، فلم قيل: فما زادوهم؟
فيقال: بل عذبوا على كفرهم بالله ولو لم يعبدوهم، فلما عبدوهم مع
ذلك ازدادوا بذلك كفرًا وعذابًا، فما زادوهم إلا خسارة وشرًا، ما
زادوهم ربحًا وخيرًا.
ومنهم من يعبد الله على حرف
ولو جعل هو فاعل الضر بهذا؛ لأنه سبب فيه لا لأنه هو الذي فعل الضرر،
وهذا كقول الخليل عن الأصنام: { رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ
النَّاسِ} [إبراهيم: 36]، فنسب الإضلال إليهن،
والإضلال هو ضرر لمن أضللنه، وكذلك قوله: { وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ}
[هود: 101]، وهذا كما يقال: أهلك الناس الدرهم والدينار،
وأهلك النساء الأحمران الذهبَُ والحرير، وكما يقال للمحبوب المعشوق
الذي تضر محبته وعشقه: إنه عذب هذا وأهلكه وأفسده وقتله وعثره، وإن
كان ذاك المحبوب قد لا يكون شاعرًا بحال هذا البتة، وكذلك يقال فى
المحسود: إنه يعذب حاسديه وإن كان لا شعور له بهم.
يعبد الله على حرفه ای
اللَّهمَّ اجعلنا من الشَّاكرينَ عندَ الرَّخاءِ, ومن الصَّابرينَ عندَ البلاءِ, ومن الرَّاضينَ بمرِّ القضاءِ, ونسألُكَ يا ربَّنا أن لا تُحمِّلَنا ما لا طاقةَ لنا به, يا ربِّ عافيَتُكَ أوسعُ لنا، آمين.
يعبد الله على حرفه
الخطبة الأولى ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
مثلاً انضم الى جماعة المتدينين للحصول على منصب أو مال أو وجاهة اجتماعية فلمّا لم يحصل عليها رفض الدين ، ولعل حرمانه من هذه الامور خير له، لانه لا ينجح في امتحانها، لكن مدى تفكيره محدود فكانت نتيجته (خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ)، لأنه حُرِمَ من الدنيا التي كان يسعى للحصول عليها فتنة من الله تعالى له وبقلقه واضطرابه وانفعاله وعدم استقرار حاله، وخسر الآخرة بتركه لسبب السعادة والفلاح وهو الدين. وهذا الوصف لحاله في الدنيا سيتجسد على أرض الواقع والحقيقة في الاخرة حيث تبلى السرائر وتنكشف البواطن على حقيقتها وأشارت الروايات الى ذلك حين وصفت الصراط بأنه أدق من الشعرة وأحدّ من السيف وإن من الناس من يعبره الى الجنة كالبرق الخاطف وآخر ركضاً وآخر زحفاً بحسب استحقاقاتهم وآخر يتمايل عليه ولا يستقر ثم يهوي منه في نار جهنم لان الصراط ممدود عليها، فهذا الصنف الاخير هو من كان في الدنيا قلقاً في تدينه غيـر مستقـر وينقلب عن الدين إذا اصيب بابتلاء وهذا معنى سقوطه في جهنم. روى في الدر المنثور عن أبي سعيد قال (أسلم رجل من اليهود فذهب ببصره وماله وولده فتشاءم بالاسلام فأتى النبي (') فقال: أقلني.