يقول الشاطبي في هذا: "وقد اختلف الأمة في تكفير هؤلاء الفرق أصحاب البدع العظمى، ولكن الذي يقوى في النظر، وبحسب الأثر؛ عدم القطع بتكفيرهم، والدليل عليه عمل السلف الصالح فيهم". ثم استشهد بما جرى لهم مع علي وعمر بن عبدالعزيز، قال: "فإنه لما اجتمعت الحرورية وفارقت الجماعة لم يهيجهم علي ولا قاتلهم، ولو كانوا بخروجهم مرتدين لم يتركهم لقوله عليه الصلاة والسلام: ((من بدل دينه فاقتلوه... )) رواه البخاري (2962) من حديث ابن عباس. ، وعمر بن عبدالعزيز أيضا لما خرج في زمانه الحرورية بالموصل أمر بالكف عنهم على ما أمر به علي رضي الله عنه ولم يعاملهم معاملة المرتدين" ((الاعتصام)) (2/186). ولعل الشاطبي رحمه الله يشير بما ذكره من أن عليا لم يهيجهم ولم يقاتلهم؛ أنه لم يتسرع إلى قتلهم أول الأمر، بل قال بأنه سوف يعاملهم معاملة حسنة، فلا يمنعهم المساجد، ولا يحرمهم الفيئ، ما دامت أيديهم معه وما داموا لم يرتكبوا محرما، ولكنهم حين خرجوا وقتلوا ابن خباب وغيره، حاربهم في معركة النهروان الشهيرة حتى أفناهم. مذاهب العلماء في الخوارج - إسلام ويب - مركز الفتوى. ومن الذين اعتبروا الخوارج فرقة إسلامية كغيرها من الفرق الأخرى الشافعي فيما ينقله عنه الطالبي بقوله: "وأما الإمام الشافعي فإنه لم يفرق بين مذهب الخوارج وبين غيره من مذاهب الفرق الأخرى في عدم التكفير بها" نقلا عن ((آراء الخوارج)) (ص21).
الشيخ محمد ناصر الالباني-فتاوى جدة-27-10
اهـ.
أقوال العلماء في تكفير الخوارج والمعتزلة - إسلام ويب - مركز الفتوى
ويذكر أن عليا لم يحاربهم لأنهم كفار، وإنما حاربهم لدفع ظلمهم وبغيهم انظر: ((مجموع فتاوى شيخ الإسلام)) (3/282) و(3/357, 352).... إلخ ما أورده رحمه الله. ولكن شيخ الإسلام رحمه الله وإن لم يقل بكفرهم لكنه يعتبرهم من شرار الخلق وممن يجب قتالهم، وهذا رأي كثير من علماء المسلمين، وإن كان هناك من لا يرى وجوب قتالهم، فقد كان الحسن البصري ينهى عن مقاتلة الخوارج – فيما يبدو- فقد أتاه رجل فقال له. د. منى زيتون: هل يجوز تكفير الخوارج؟! (1). "يا أبا سعيد إن هؤلاء استنفروني لأقاتل الخوارج، فما ترى؟ فقال: إن هؤلاء أخرجتهم ذنوب هؤلاء، وإن هؤلاء يرسلونك تقاتل ذنوبهم، فلا تكن القتيل منهم، فإن القوم أهل خصومة يوم القيامة" انظر: ((التنبيه والرد)) (ص170، 171). وقال خريم معظما قتال الخوارج، وناهيا عن حربهم فيما ينقله الملطي عنه:
ولست بقاتل رجلا يصلي
على سلطان آخر من قريش
له سلطانه وعلي ذنبي
معاذ الله من سفه وطيش
أأقتل مسلما في غير ذنب
فلست بنافعي ما عشت عيشي انظر: ((التنبيه والرد)) (ص170، 171). وقال مروان بن الحكم لأيمن بن خزيم: "ألا تخرج تقاتل؟ فقال: إن أبي وعمي شهدا بدرا مع رسول الله، وإنهما عهدا إلي أن لا أقاتل أحدا يقول: لا إله إلا الله، فإن جئتني ببراءة من النار، قال: اخرج فلا حاجة لنا فيك" انظر: ((التنبيه والرد)) (ص170، 171).
هل الخوارج كفار؟
أما الرأي الثاني: وهو القول بعدم تكفير الخوارج؛ فأهل هذا الرأي يقولون: إن الاجتراء على إخراج أحد من الإسلام أمر غير هين، نظراً لكثرة النصوص التي تحذر من ذلك إلا من ظهر الكفر من قوله أو فعله فلا مانع حينئذ من تكفيره بعد إقامة الحجة عليه. ولهذا أحجم كثير من العلماء أيضاً عن إطلاق هذا الحكم عليهم وهؤلاء اكتفوا بتفسيقهم، وأن حكم الإسلام يجري عليهم لقيامهم بأمر الدين- وأن لهم أخطاء وحسنات كغيرهم من الناس، ثم إن كثيراً من السلف لم يعاملوهم معاملة الكفار كما جرى لهم مع علي رضي الله عنه وعمر بن عبد العزيز؛ فلم تسبى ذريتهم وتغنم أموالهم. فرق معاصرة لغالب عواجي 1/296 يقول القاضي عياض: "كادت هذه المسألة (أي مسألة تكفير الخوارج) تكون أشد إشكالا عند المتكلمين من غيرها حتى سأل الفقيه عبدالحق الإمام أبا المعالي عنها فاعتذر بأن إدخال كافر في الملة وإخراج مسلم عنها عظيم في الدين. قال: وقد توقف قبله القاضي أبو بكر الباقلاني، وقال: ولم يصرح القوم بالكفر، وإنما قالوا أقوالاً تؤدي إلى الكفر" ((فتح الباري)) (12/300). أقوال العلماء في تكفير الخوارج والمعتزلة - إسلام ويب - مركز الفتوى. ويقول القرطبي: "وباب التكفير باب خطر، ولا نعدل بالسلامة شيئا" ((فتح الباري)) (12/301). وأهل هذا الرأي، وإن كانوا قد تورعوا عن تكفيرهم على العموم، إلا أنهم مختلفون في حقيقة أمرهم، فمنهم من يرى أنهم وإن كانوا غير خارجين عن الإسلام لكنهم فسقة؛ لأنهم قد شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ثم طبقوا بالفعل أركان الإسلام، وهذا يمنع من تكفيرهم أو إلحاقهم بمن لا يقر بذلك، وتفسيقهم إنما كان لما عرف عنهم من تكفيرهم المسلمين، واستباحة دمائهم وأموالهم.
مذاهب العلماء في الخوارج - إسلام ويب - مركز الفتوى
عرض التعليقات
د. منى زيتون: هل يجوز تكفير الخوارج؟! (1)
(2004). المصنَّف. الرياض: مكتبة الرشد. علي بن الحسن بن هبة الله ابن عساكر الدمشقي. تحقيق: عمر بن غرامة العمروي. تاريخ مدينة دمشق وذكر فضلها وتسمية من حلها من الأماثل أو اجتاز بنواحيها من وارديها وأهلها (ج59 معالي- مغيث). المملكة العربيةة السعودية: دار الفكر. علي سامي النشار. نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام. ط9. القاهرة: دار المعارف. علي بن محمد بن محمد الشيباني أبو الحسن ابن الأثير الجزري. تحقيق: عبد الله القاضي ومحمد يوسف الدقاق. (1987). الكامل في التاريخ. بيروت: دار الكتب العلمية.
محمد بن أحمد بن أبي بكر أبو عبد الله القرطبي. (2006). الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السُنة وآي الفرقان. بيروت: مؤسسة الرسالة. محمد بن إسماعيل أبو عبد الله البخاري. تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر. (1422هـ). الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيَّامه المشهور بـصحيح البخاري. دار طوق النجاة (نسخة إلكترونيةة مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي) + طبعة القاهرة: ألفا للنشر والتوزيع. محمد بن جرير أبو جعفر الطبري. تحقيق: أحمد شاكر. (2000). تفسير الطبري.
ومع ترجيحنا لعدم تكفيرهم فلا يعني ذلك استصغار جريمتهم وانحرافهم، ويكفي في ذلك من الدلالة على مروقهم وضلالهم وبدعتهم وانحرافهم ما أشرنا إليه آنفاً من الأحاديث الواردة في ذمهم وتوعدهم بالنار، نسأل الله العافية والسلامة. وهذا دليل على إنصاف أهل السنة والجماعة وبعدهم عن التكفير إلا من كفرته النصوص، لا كما هو ديدن بعض الطوائف في تكفير كل من خالفهم في انحرافهم، والله أعلم، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.