وقوله: (ثم إلى ربهم يحشرون) يعني الأمم كلها من الدواب والطير، فيقتص لبعضها من بعض، حتى يبلغ من عدله أن يأخذ للجماء من القرناء، فلابد من العدل حتى بين هذه البهائم يوم القيامة، حتى يقتص للجماء التي لا قرن لها من القرناء التي كانت ذات قرن ونطحتها وآذتها بقرنها، فتبعث هذه ويقتص لهذه من تلك عدلاً من الله سبحانه وتعالى. وقوله تعالى: (ثم إلى ربهم يحشرون) أورد الضمير على صيغة جمع العقلاء لإجرائها مجرى العقلاء. قال الزمخشري: إن قلت: فما الغرض في ذكر ذلك؟! أي أن سياق الكلام في مناقشة الكفار في تعنتهم وعنادهم واقتراحهم الآيات، فما غرضه من ذكر هذه الآية: (وما من دابةٍ في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه) إلى آخره؟! قلت: الدلالة على عظم قدرته، ولطف علمه، وسعة سلطانه، وتدبيره تلك الخلائق المتفاوتة الأجناس المتكاثرة الأصناف، وهو حافظ لها وما عليها، مهيمن على أحوالها، لا يشغله شأن عن شأن، وأن المكلفين ليسوا مخصوصين بذلك دون ما عداهم من سائر الحيوان، إشارة إلى عظم قدرة الله سبحانه وتعالى وسعة علمه. والإنسان يتخيل أنه لا يوجد شيء مهما دق إلا والله سبحانه وتعالى هو الذي يدبر أمره، وهذا هو معنى توحيد الربوبية: أن تؤمن أن كل ما في الوجود هو من عند الله سبحانه وتعالى، ولا يقوى أحد على شيء أبداً إلا بالله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فليس الله سبحانه وتعالى يدبر أمر الخلائق مؤمنهم وكافرهم وإنسهم وجنهم فحسب، وإنما يدبر أمر كل ما في هذا الوجود، فكل سمكة في البحار، وكل طائر في السماء، وكل نملة في الجحر، وكل حشرة، وكل حيوان، وكل ما تتخيله، حتى الذرات والإلكترونات، وكل ما يوجد في هذا الوجود لا يتحرك شيء منه بحركة إلا بأمر من الله سبحانه وتعالى وتدبير من الله عز وجل.
- ص4 - تفسير القرآن الكريم المقدم - تفسير قوله تعالى وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم - المكتبة الشاملة الحديثة
- إسلام ويب - تفسير المنار - سورة الأنعام - تفسير قوله تعالى وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم - الجزء رقم4
- جريدة الرياض | إمام المسجد النبوي: الإسلام باقٍ مهما تلاطمت الفتن
ص4 - تفسير القرآن الكريم المقدم - تفسير قوله تعالى وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم - المكتبة الشاملة الحديثة
( وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم). إن هاتين الآيتين مؤيدتان لما قبلهما ومتممتان له ، فإنه بين في الآيات قبلهما أن الظالمين من مشركي مكة جحدوا بآيات الله جحود عناد لا تكذيب ، وضرب لهم مثل الذين كذبوا الرسل من قبل ولم يهتدوا بما أوتوا من الآيات المقترحة ولا غيرها ، بعد هذا بين في هاتين الآيتين أنواعا من آياته تعالى في أنواع الحيوان ، وأن المكذبين بآيات الله لم يهتدوا بها ، بل ظلوا في ظلمات جهلهم حتى كأنهم لم يروها ولم يسمعوا بها.
إسلام ويب - تفسير المنار - سورة الأنعام - تفسير قوله تعالى وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم - الجزء رقم4
أخبر سبحانه وتعالى في كتابه العزيز أنه أقام في هذه الأرض مخلوقات تشارك الإنسان في كثير من الصفات، حيث قال عز من قائل: { وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون} (الأنعام:38) فما هو المراد بهذه المماثلة بين الإنسان وبين ما بثه الله سبحانه من كائنات ومخلوقات غيره؟ معنى الأمة لغة تذكر معاجم اللغة أن معنى (الأمة) لغة: الجماعة. وقال ابن منظور في "لسان العرب": "الأمة: الجيل، والجنس من كل حي". أقوال المفسرين والعلماء في معنى قوله تعالى: { إلا أمم أمثالكم}
روي عن مجاهد في المراد من قوله تعالى: { إلا أمم أمثالكم} قال: "أصناف لهن أسماء، تُعرف بها كما تُعرفون". وأخرج الطبري ، و ابن أبي حاتم ، عن السدي في قوله عز وجل: { إلا أمم أمثالكم} قال: "خلق مثلكم". وقال الإمام الطبري في تفسيره لهذه الآية: "جعلها أجناساً مجنسة، وأصنافاً مصنَّفة، تعرف كما تعرفون، وتتصرف فيما سخرت له كما تتصرفون، ومحفوظ عليها ما عملت من عمل لها وعليها، ومثبت كل ذلك من أعمالها في أم الكتاب". وقال الإمام القرطبي في كتابه "الجامع لأحكام القرآن": { إلا أمم أمثالكم} أي: هم جماعات مثلكم، خلقهم الله، وتكفل بأرزاقهم، وعدل عليهم، فلا ينبغي أن تظلموهم، ولا تجاوزوا فيهم ما أمرتم به".
وقال الزجاج: " إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ " أي في الخلق والرزق والموت والبعث والاقتصاص يوم القيامة ، وروى الإمام مسلم في صحيحه: (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: « لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ ». وقال الإمام الطبري " إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ ": أي "جعلها الله أجناسا مجنسة، وأصنافا مصنفة، تعرف كما تعرفون ،وتتصرف فيما سخرت له كما تتصرفون، ومحفوظ عليها ما عملت من عمل لها وعليها، ومثبت كل ذلك من أعمالها في أم الكتاب ".
نعم دعونا نتفاءل ولو للحظة، لأنَّ التفاؤل أولاً سنةُ نبينا صلى الله عليه وسلم وثانيها أنه علامةُ حسن ظنِّ بالله. ولا تيأسوا من رحمة ه. وحسن الظنّ بالله سيما المؤمن فقد قال تعالى: (ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون)، (قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون) وقال جل جلاله في الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبدي بي فليظن عبدي بي ما شاء). قال إيليا أبو ماضي:
أيها الشاكي وما بك داء
كن جميلاً تر الوجود جميلا
دعونا نتفاءل لأنه مقتضى العقل الراشد.. فالعاقل يعلم أن اليأس والإحباط لا يغير من الواقع شيئاً بل يضيف إلى مرارته مرارةً أشدّ.. بينما التفاؤل إن لم يحقق المأمول فهو على الأقل يخفف من وطأة المصائب ووقعها على النفس..
دعونا نتفاءل لأن الفأل وقاية من الأمراض وصحة في الأبدان، وقد ثبت علميا في أكثر من دراسة طبية أن المتفائلين أقدر على التماثل للشفاء من غيرهم لأن التفاؤل يمدّ أبدانهم بطاقة داخلية عجيبة تعجل بإذن الله في الشفاء.
جريدة الرياض | إمام المسجد النبوي: الإسلام باقٍ مهما تلاطمت الفتن
ونقل ابن القيم قول سقراط: "للحياة حدَّان، أحدهما: الأمل، والآخر: الأجل، فبالأول بقاؤها، وبالآخر فناؤها"؛ [إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان (٢/ ٢٦٦)].
س: ما الفرق بين " لا تقنطوا من رحمة الله " و بين " لا تيأسوا من روح الله " ؟:
ج: القنوط أشد من اليأس في سياق القنوط ﴿ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ﴾ فهؤلاء أسرفوا على أنفسهم بالذنوب ووصلوا حد القنوط من الرحمة ، ومع ذلك ﴿ إن الله يغفر الذنوب جميعا ﴾. اليأس درجة ما قبل القنوط لأنه يأس من الروح الذي هو ما دون الرحمة ﴿ لا تيأسوا من روح الله ﴾. ﵟ ۞ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﵞ
سورة الزمر - 53
ﵟ يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﵞ
سورة يوسف - 87