و {
يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى} في الدنيا، من خير وشر، فيتمنى زيادة مثقال ذرة في حسناته، ويغمه ويحزن
لزيادة مثقال ذرة في سيئاته. ويعلم إذ ذاك أن مادة ربحه وخسرانه ما سعاه في الدنيا، وينقطع كل سبب
ووصلة كانت في الدنيا سوى الأعمال. سورة النازعات كتابه حرف. وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى} أي: جعلت في البراز، ظاهرة لكل أحد، قد برزت لأهلها، واستعدت لأخذهم،
منتظرة لأمر ربها. فَأَمَّا مَنْ طَغَى} أي: جاوز الحد، بأن تجرأ على المعاصي الكبار، ولم يقتصر على ما حده
الله. وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} على الآخرة فصار سعيه لها، ووقته مستغرقا في حظوظها وشهواتها، ونسي
الآخرة وترك العمل لها. {
فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى} [له] أي: المقر والمسكن لمن هذه حاله، {
وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ} أي: خاف القيام عليه ومجازاته بالعدل، فأثر هذا الخوف في قلبه فنهى
نفسه عن هواها الذي يقيدها عن طاعة الله، وصار هواه تبعا لما جاء به
الرسول، وجاهد الهوى والشهوة الصادين عن الخير، {
فَإِنَّ الْجَنَّةَ} [المشتملة على كل خير وسرور ونعيم] {
هِيَ الْمَأْوَى} لمن هذا وصفه.
- سورة النازعات كتابه على
- من علامات محبة النبي صلى الله عليه وسلم
- بحث عن علامات محبة النبي
سورة النازعات كتابه على
27 - 33} {
أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا
فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَالْأَرْضَ
بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا *
وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ}
يقول تعالى مبينا دليلا واضحا لمنكري البعث ومستبعدي إعادة الله للأجساد:
أَأَنْتُمْ} أيها البشر {
أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ} ذات الجرم العظيم، والخلق القوي، والارتفاع الباهر {
بَنَاهَا} الله. رَفَعَ سَمْكَهَا} أي: جرمها وصورتها، {
فَسَوَّاهَا} بإحكام وإتقان يحير العقول، ويذهل الألباب، {
وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا} أي: أظلمه، فعمت الظلمة [جميع] أرجاء السماء، فأظلم وجه الأرض، {
وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا} أي: أظهر فيه النور العظيم، حين أتى بالشمس، فامتد الناس في مصالح
دينهم ودنياهم. وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ} أي: بعد خلق السماء {
دَحَاهَا} أي: أودع فيها منافعها. سورة النازعات كتابه على. وفسر ذلك بقوله: {
أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا} أي: ثبتها في الأرض. فدحى الأرض بعد خلق السماء، كما هو نص هذه الآيات
[الكريمة].
وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا} وهم الملائكة أيضا، تجتذب الأرواح بقوة ونشاط، أو أن النزع يكون لأرواح
المؤمنين، والنشط لأرواح الكفار. وَالسَّابِحَاتِ} أي: المترددات في الهواء صعودا ونزولا {
سَبْحًا}
فَالسَّابِقَاتِ} لغيرها {
سَبْقًا} فتبادر لأمر الله، وتسبق الشياطين في إيصال الوحي إلى رسل الله حتى لا
تسترقه. سورة النازعات كتابه الارقام. فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا} الملائكة، الذين وكلهم الله أن يدبروا كثيرا من أمور العالم العلوي
والسفلي، من الأمطار، والنبات، والأشجار، والرياح، والبحار، والأجنة،
والحيوانات، والجنة، والنار [وغير ذلك]. يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ} وهي قيام الساعة، {
تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ} أي: الرجفة الأخرى التي تردفها وتأتي تلوها، {
قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ} أي: موجفة ومنزعجة من شدة ما ترى وتسمع. أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ} أي: ذليلة حقيرة، قد ملك قلوبهم الخوف، وأذهل أفئدتهم الفزع، وغلب
عليهم التأسف [واستولت عليهم] الحسرة. يقولون أي: الكفار في الدنيا، على وجه التكذيب: {
أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً} أي: بالية فتاتا. قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ} أي: استبعدوا أن يبعثهم الله ويعيدهم بعدما كانوا عظاما نخرة، جهلا
[منهم] بقدرة الله، وتجرؤا عليه.
* تكذيب النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو تكذيب ما جاء به، أو تكذيب بعض ما جاء به: ولذلك قال علماء الإسلام: إن سب النبي - صلى الله عليه وسلم - وازدراءه وتنقصه كفر، وأن حده القتل بالسيف، كما بينه شيخ الإسلام ابن تيميه- رحمه الله - في كتابه النافع (الصارم المسلول على شاتم الرسول). 3- محبة أصحابه - صلى الله عليه وسلم - وأزواجه وأهل بيته المؤمنين- رضي الله عنهم- والإعراض عما شجر بين الصحابة، وسلامة الصدور لأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، والترضي عليهم كما ترضى الله - عز وجل - عليهم في كتابه الكريم، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر أن أصحابه خير الناس، وأن قرنه خير القرون. لقد عميت بصائر أقوام فتنقصوا أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وطعنوا فيهم وسبّوهم، بل وارتكبوا أعظم من ذلك حينما قالوا بردة بعض أصحاب النبي - عليه الصلاة والسلام -، أولئك هم الروافض. مزالق الغلو في حب النبي - صلى الله عليه وسلم -
لقد كان- عليه الصلاة والسلام - حريصاً كل الحرص على أن يجنب أمته المزالق، وأن تبقى على الصراط المستقيم معتدلة عليه، لا تفريط ولا إفراط، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله و رسوله)) رواه البخاري(3/1271).
من علامات محبة النبي صلى الله عليه وسلم
3- الإقتداء به والعمل بسنته والتخلق بأخلاقه:
يقول الله تبارك وتعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]؛ قال الحافظ المفسر ابن كثير - رحمه الله -: (هذه الآيةُ الكريمةُ أصلٌ كبيرٌ في التأسي برسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في أقوالِه وأفعالِه وأحوالِه؛ ولهذا أمرَ الناسَ بالتأسي بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم يومَ الأحزاب، في صبرِه ومصابرتِه ومرابطتِه ومجاهدتِه وانتظارِه الفرجَ من ربِّه عز وجل، صلوات الله وسلامه عليه دائمًا إلى يوم الدين) ( [2]). فمن ألزمَ نفسَه بالآداب النبوية نوَّرَ اللهُ قلبه بنورِ المعرفة، ومن أشرفِ مقامات العبدِ متابعةُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في أوامرِه ونواهيه وأفعالِه، والتخلق بأخلاقِه في الجود والإيثار والحلم والصبر والتواضع وغيرها من الخصال الرفيعة، فمن جاهد نفسه على ذلك وجدَ حلاوة الإيمان، ومن وجدها استلذَّ الطاعةَ ( [3]).
بحث عن علامات محبة النبي
وليُتأمل قوله: " أَحِبُّونَا حُبَّ الْإِسْلَامِ "، فإنه -معاشر المؤمنين- هو الحب النافع لصاحبه، أما حب الغلاة المبطلة فإنه حبٌّ يضر ولا ينفع، ويُقصي ولا يدني، ويُبعِدُ ولا يُقرِّب. فلنحذر من الغلو بكافة صوره وجميع أشكاله، ولنحرص على الاتباع لهدي نبينا الكريم -عليه الصلاة والسلام-، والملازمة لسنته، والبعد عن البدع والأهواء. أعاذنا الله أجمعين من البدع المطغية، والأهواء المردية، وأصلح لنا شأننا كله، وأعاذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، وشر كلِّ دابة هو آخذ بناصيتها، إنه -تبارك وتعالى- سميعٌ قريبٌ مجيب. الخطبة الثانية:
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحبُّ ربُّنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: أيها المؤمنون عباد الله: اتقوا الله -تعالى-، وراقبوه -سبحانه- مراقبة من يعلمُ أن ربَّه يسمعُه ويراه. أيها المؤمنون عباد الله: وفي غياب الوعي بالسنة والدراية بالهدي المبارك لربما ظهرت في بعض الناس أمورٌ وأحوالٌ وأعمال يفعلونها ويمارسونها زعماً منهم أنهم إنما أرادوا بذلك إظهار محبة النبي الكريم -عليه الصلاة والسلام-.
* ومن تلك العلامات الذَّبُّ والدفاع عن سنته – صلى الله عليه وسلم – وذلك بحمايتها من انتحال المبطلين، وتحريف الغالين وتأويل الجاهلين، ورد شبهات الزنادقة والطاغين وبيان أكاذيبهم. * ومنها التأدب عند ذكره – صلى الله عليه وسلم – فلا يذكر اسمه مجرداً بل يوصف بالنبوة أو الرسالة ، فيقال: نبي الله، رسول الله، ونحو ذلك ، والصلاة عليه عند ذكره ، والإكثار من ذلك في المواضع المستحبة. * ومنها نشر سنته – صلى الله عليه وسلم – وتبليغها وتعليمها للناس ، فقد قال – صلى الله عليه وسلم –: ( بلغوا عني ولو آية) رواه البخاري و مسلم. فتأمل أخي القارئ تلك العلامات ، واحرص على تحقيقها وتعظيمها ، واعلم أن المحبة ليست ترانيم تغنى ، ولا قصائد تنشد ، ولا كلمات تقال ، ولكنها طاعة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وعمل واتباع ، وتمسك واقتداء، نسأل الله أن يعيننا وإخواننا على التزام سنة نبينا صلى الله عليه وسلم ما حيينا. منقول