والوابل: المطر الشديد. وقد وبلت السماء تبل ، والأرض موبولة. قال الأخفش: ومنه قوله تعالى: أخذناه أخذا وبيلا ؛ أي شديدا. وضرب وبيل ، وعذاب وبيل أي شديد. والصلد: الأملس من الحجارة. قال الكسائي: صلد يصلد صلدا بتحريك اللام فهو صلد بالإسكان ، وهو كل ما لا ينبت شيئا ، ومنه جبين أصلد ، وأنشد الأصمعي لرؤبة: براق أصلاد الجبين الأجله قال النقاش: الأصلد الأجرد بلغة هذيل. ومعنى لا يقدرون يعني المرائي والكافر والمان على شيء أي على الانتفاع بثواب شيء من إنفاقهم وهو كسبهم عند حاجتهم إليه ، إذا كان لغير الله فعبر عن النفقة بالكسب ؛ لأنهم قصدوا بها الكسب. تفسير: (يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى ...). وقيل: ضرب هذا مثلا للمرائي في إبطال ثوابه ولصاحب المن والأذى في إبطال فضله ، ذكره الماوردي.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى
278- باب النَّهي عن المَنِّ بالعطية ونحوها
قَالَ الله تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى [البقرة:264]، وقال تَعَالَى: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذًى [البقرة:262]. 1/1588- وعنْ أَبي ذَرٍّ ، عنِ النبيِّ ﷺ قَالَ: ثَلاثةٌ لا يُكلِّمُهُم اللَّه يوْمَ القيامةِ، وَلا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ، وَلا يُزَكِّيهِمْ، وَلهُمْ عذابٌ أليمٌ ، قَالَ: فَقرأها رسولُ اللَّه ﷺ ثَلاثَ مَرَّاتٍ. الآية: يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى – شبكة أهل السنة والجماعة. قَالَ أَبُو ذرٍّ: خَابُوا وخَسِروا، مَنْ هُمْ يَا رسولَ اللَّه؟ قَالَ: المُسْبِلُ، والمَنَّانُ، والمُنَفِّقُ سلعتَهُ بالحَلِفِ الكَاذبِ رواه مسلم. وفي روايةٍ لَهُ: المُسْبِلُ إزارهُ يَعْني: المُسْبِلُ إزَارهُ وثَوْبَهُ أسفَلَ مِن الكَعْبَيْنِ للخُيَلاءِ. 279 - باب النَّهي عن الافتخار والبغي
قَالَ الله تَعَالَى: فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى [النجم:32]، وقال تَعَالَى: إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [الشورى:42].
يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى | سواح هوست
والمعنى: يا من آمنتم بالله تعالى لا تبطلوا صدقاتكم بأن تحبطوا أجرها، وتمحقوا ثمارها، بسبب المن والأذى، فيكون مثلكم في هذا الإبطال لصدقاتكم، كمثل المنافق الذي ينفق ماله من أجل أن يرى الناس منه ذلك، ولا يبتغي به رضاء الله ولا ثواب الآخرة. وقوله في المثال الثاني فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء مما كسبوا معناه أن المنافق الذي ينفق ماله رئاء الناس مثله في انكشاف أمره وعدم انتفاعه بما ينفقه رياء وحبا للظهور كمثل حجر أملس لا ينبت شيئا ولكن عليه قليل من التراب الموهم للناظر إليه أنه منتج فنزل المطر الشديد فأزال ما عليه من تراب، فانكشفت حقيقته وتبين للناظر إليه أنه حجر أملس صلد لا يصلح لإنبات أي شيء عليه. وقوله تعالى: لا يقدرون على شيء مما كسبوا معناه أن الذين يبطلون صدقاتهم بالمن والأذى، والذين يتصدقون رياء ومفاخرة لا يقدرون على تحصيل شيء من ثواب ما عملوا، لأن ما صاحب أعمالهم من رياء ومفاخرة ومن أذى محق بركتها، وأذهب ثمرتها وأزال ثوابها.
الآية: يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى – شبكة أهل السنة والجماعة
وفي الحديث الصحيح يقول النبيُّ ﷺ: ثلاثةٌ لا يُكلِّمهم الله، ولا ينظر إليهم يوم القيامة، ولا يزُكيهم، ولهم عذابٌ أليمٌ: المنَّان بما أعطى، والمُنَفِّق سلعته بالحلف الكاذب، والمُسْبِل إزاره ، فالمؤمن يحذر أن يقع في هذه المشاكل. والإسبال في الغالب يكون عن تكبُّرٍ، ولهذا جاء في الحديث الصحيح: مَن جرَّ ثوبَه خُيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة ، وقد يتساهل ويُسبل ولا يُريد التفاخر ولا البغي ولا الكبر، ولكن يحذر. وفي الحديث الصحيح: أنَّ الصديق قال: يا رسول الله، إنَّ إزاري يتفلَّتُ عليَّ إلا أن أتعاهده، قال: لستَ ممن يفعله خُيلاء ، فالمؤمن إذا تعاهد إزاره وتعاهد ثيابَه سلم من هذا الوعيد، لكن مَن جرَّ ثوبَه يُتَّهم بالخيلاء ويُمنع من ذلك، مَن يُفَتِّش على قلبه؟! الصادق الذي لا يجرُّ ثوبه خيلاء، الصادق يصون ثيابه، ويرفع ثيابه، ويصون عرضه، ولهذا لم يُقيده النبيُّ ﷺ، قال: المُسْبِل إزاره وأطلق، وقال: ما أسفل من الكعبين من الإزار فهو في النار وأطلق، فدلَّ على أنه يحرم الإسبال مطلقًا، ولكن مع الكبر يكون الإثمُ أعظمَ. فالمؤلف حين قيَّد بالخُيلاء ليس على إطلاقه، بل مع الخيلاء يكون أشدَّ إثمًا، وإلا فالرسول ﷺ في الأحاديث الكثيرة لم يُقيد، وإنما قال للصديق: لستَ ممن يفعله خيلاء ، وقال في حديث عبدالله بن عمرو: مَن جَرَّ ثوبه خُيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة ، هذا وعيدٌ خاصٌّ: مَن جَرَّ ثوبه خُيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة.
تفسير: (يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى ...)
6042 حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي: لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى إلى قوله: ( على شيء مما كسبوا) أما الصفوان الذي عليه تراب، فأصابه المطر فذهب ترابه فتركه صلدًا. فكذلك هذا الذي ينفق ماله رياء الناس، (101). ذهب الرياءُ بنفقته, كما ذهب هذا المطر بتراب هذا الصفا فتركه نقيًّا, فكذلك تركه الرياء لا يقدر على شيء مما قدم. فقال للمؤمنين: لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى فتبطل كما بطلت صَدقة الرياء. 6043 حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير, عن جويبر, عن الضحاك, قال: أن لا ينفق الرجل ماله, خير من أن ينفقه ثم يتبعه منًّا وأذى. فضرب الله مثله كمثل كافر أنفق ماله لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر, فضرب الله مثلهما جميعًا: ( كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدًا) فكذلك من أنفق ماله ثم أتبعه منًّا وأذى. 6044 حدثني محمد بن سعد, قال: حدثنى أبي, قال: حدثني عمي, قال: حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى إلى ( كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدًا) ليس عليه شيء, وكذلك المنافق يوم القيامة لا يقدر على شيء مما كسب.
القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة البقرة - الآية 264
س: الإسبال في الإزار والقميص والعمامة، كيف يكون الإسبالُ في العمامة؟
ج: إذا طوَّلها وراحت تمشي في الأرض، إذا طوَّل ذيلها حتى تتعدَّى الكعب.
نسأل الله للجميع التوفيق. الأسئلة:
س: قول بعض الناس: الناس في جاهليةٍ؟
ج: أكثرهم في جاهليةٍ، نعم، فإذا أراد العموم –الأكثر- فصحيح. س: في كتاب.......... عنوانه "الإسلام بين جهل أبنائه وعجز علمائه" هل هذا من هذا الباب؟
ج: يعني: جهل أبنائه في الجملة، وعجز علمائه في الجملة، ما هو مُراده كلهم. س: كأنَّه معمم بالعنوان؟
ج: لا، ما هو مراده، يعني: بيَّن مَن هذه صفته، ومَن هذه صفته. س: هناك بعض الإخوة إذا أتى إلى المسجد يرفع البنطلون على أساس أنه مسبل، فهل هو على صوابٍ في حال الصلاة فقط؟
ج: الواجب عليه رفعه دائمًا، ما هو فقط في حال الصلاة، الواجب عليه دائمًا أن يُلاحظ البنطلون وغير البنطلون، فيرفعه، ولو قالوا له: ارخه، ما يُطيعهم، الطاعة في المعروف، ما في المعاصي. س: الثوب عندما يكون إلى نصف الساق وأصبح شهرةً بين الناس؟
ج: يُرخيه إلى الكعب حتى لا يكون شهرةً بين الناس، حتى لا يتأذَّى ويُسبب مشاكل، ما في بأس؛ لأنَّه مباح إلى النصف، قُصاره أن يكون مستحبًّا، لكن ترك المستحب إذا كان فيه مصلحةٌ لا بأس. س: ما ورد: ما أسفل من الركبة بأربع أصابع؟
ج: هذا جاء في بعض الأحاديث، لكن في صحته نظر، وإن جاء فمحمولٌ على هذا المعنى، يعني: أربعة أصابع حول نصف الساق، فالأمر قريب.