وعليه قال ابن هشام: " يقول بعضهم في: ( ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله) أن اسم الله سبحانه وتعالى مبتدأ أو فاعل ، والتقدير: أي الله خلقهم ، أو خلقهم الله ، والصواب الحمل على الثاني بدليل قوله تعالى: { ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز الحكيم} ، " والمسألة خلافية ". وهنا التضمين باللغة العربية وهو المجاز بين الحقيقةوالمجاز. و
- ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله العنزي
- ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله عليه
- ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن ه
ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله العنزي
ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله: تفسير ابن كثير
وقوله: ( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله) يعني: [ أن] المشركين كانوا يعترفون بأن الله هو الخالق للأشياء كلها ، ومع هذا يعبدون معه غيره ، مما لا يملك لهم ضرا ولا نفعا; ولهذا قال: ( قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته) أي: لا تستطيع شيئا من الأمر. وذكر ابن أبي حاتم هاهنا حديث قيس بن الحجاج ، عن حنش الصنعاني ، عن ابن عباس مرفوعا: " احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يضروك ، ولو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله لك لم ينفعوك ، جفت الصحف ، ورفعت الأقلام ، واعمل لله بالشكر في اليقين ، واعلم أن الصبر على ما تكره خير كثير ، وأن النصر مع الصبر ، وأن الفرج مع الكرب ، وأن مع العسر يسرا ". ( قل حسبي الله) أي: الله كافي ، عليه توكلت وعليه يتوكل المتوكلون ، كما قال هود - عليه السلام - حين قال له قومه: ( إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم) [ هود: 54 - 56].
فـ { { قُلِ}} لهم ملزما لهم، ومحتجا عليهم بما أقروا به، على ما أنكروا: { { الْحَمْدُ لِلَّهِ}} الذي بيَّن النور، وأظهر الاستدلال عليكم من أنفسكم، فلو كانوا يعلمون، لجزموا أن المنفرد بالخلق والتدبير، هو الذي يفرد بالعبادة والتوحيد. ولكن { { أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}} فلذلك أشركوا به غيره، ورضوا بتناقض ما ذهبوا إليه، على وجه الحيرة والشك، لا على وجه البصيرة، ثم ذكر في هاتين الآيتين نموذجا من سعة أوصافه، ليدعو عباده إلى معرفته، ومحبته، وإخلاص الدين له. فذكر عموم ملكه، وأن جميع ما في السماوات والأرض - وهذا شامل لجميع العالم العلوي والسفلي - أنه ملكه، يتصرف فيهم بأحكام الملك القدرية، وأحكامه الأمرية، وأحكامه الجزائية، فكلهم عييد مماليك، مدبرون مسخرون، ليس لهم من الملك شيء، وأنه واسع الغنى، فلا يحتاج إلى ما يحتاج إليه أحد من الخلق. { { مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ}} وأن أعمال النبيين والصديقين، والشهداء والصالحين، لا تنفع اللّه شيئا وإنما تنفع عامليها، واللّه غني عنهم، وعن أعمالهم، ومن غناه، أن أغناهم وأقناهم في دنياهم وأخراهم. ثم أخبر تعالى عن سعة حمده، وأن حمده من لوازم ذاته، فلا يكون إلا حميدا من جميع الوجوه، فهو حميد في ذاته، وهو حميد في صفاته، فكل صفة من صفاته، يستحق عليها أكمل حمد وأتمه، لكونها صفات عظمة وكمال، وجميع ما فعله وخلقه يحمد عليه، وجميع ما أمر به ونهى عنه يحمد عليه، وجميع ما حكم به في العباد وبين العباد، في الدنيا والآخرة، يحمد عليه.
ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله عليه
لذلك قلنا: إياك أنْ تجعل كتاب الله حافظة لشيء هام عندك؛ لأنه أغلى من أيِّ شيء فينبغي أنْ نحفظه، لا أنْ نحفظ فيه. وكأن في الآية إشارة إلى أنهم كما اقرُّوا لله تعالى بخَلْق السماوات والأرض ينبغي أنْ يُقروا كذلك بأن له سبحانه ما فيهما، وهذه مسألة عقلية يهتدي إليها كل ذي فكر سليم، فما دامت السماوات والأرض لله، فله ما فيهما، وهَبْ أن لك قطعة أرض تمتلكها، ثم عثرتَ فيها على شيء ثمين، إنه في هذه الحالة يكون مِلكك شرعاً وعقلاً. وينبغي للعاقل أنْ يتأمل هذه المسألة: لله تعالى ما في السماوات وما في الأرض، ومن هذه الأشياء الإنسان الذي كرَّمه الله، وجعله سيداً لجميع المخلوقات وأعلى منها، بدليل أنها مُسخَّرة لخدمته: الحيوان والنبات والجماد، فهل يصح أن يكون الخادم أعظم من سيده أو أطول عمراً منه؟ فعلى العاقل أن يتأمل هذه المسألة، وأن يستعرض أجناس الكون ويتساءل: أيكون الجماد الذي يخدمني أطول عمراً مني؟ إذن: لا بد أن لي حياة أخرى تكون أطول من حياة الشمس والقمر وسائر الجمادات التي تخدمني، وهذا لا يكون إلا في الآخرة حيث تنكدر الشمس، وتتلاشى كل هذه المخلوقات ويبقى الإنسان. إذن: أنت محتاج لما في الأرض ولما في السماء من مخلوقات الله، وبه وحده سبحانه قوامها مع أنه سبحانه غنيٌّ عنها لا يستفيد منها بشيء، فالله سبحانه خلق ما هو غنيٌّ عنه؛ لذلك يقول: { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ} [لقمان: 26] لأنه سبحانه بصفات الكمال خلق، فلم يزِدْه الخلق صفة كمال لم تكُنْ له، فهو مُحْيٍ قبل أنْ يوجد مَنْ يُحييه، مُعِزٌّ قبل أنْ يوجد من يعزه.
والمعنى: فإنهم سيقولون لا فقل: حسبي الله مما سواه من الأشياء كلها, إياه أعبد, وإليه أفزع في أموري دون كلّ شيء سواه, فإنه الكافي, وبيده الضر والنفع, لا إلى الأصنام والأوثان التي لا تضر ولا تنفع, ( عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ) يقول: على الله يتوكل من هو متوكل, وبه فليثق لا بغيره. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: بشر, قال: ثنا. يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) حتى بلغ ( كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ) يعني: الأصنام ( أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِه) واختلفت القرّاء في قراءة ( كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ) و ( مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ), فقرأه بعضهم بالإضافة وخفض الضر والرحمة, وقرأه بعض قرّاء المدينة وعامة قرّاء البصرة بالتنوين, ونصب الضر والرحمة. والصواب من القول في ذلك عندنا, أنهما قراءتان مشهورتان, متقاربتا المعنى, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب, وهو نظير قوله: كَيْدِ الْكَافِرِينَ فى حال الإضافة والتنوين.
ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن ه
وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۖ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ (61) القول في تأويل قوله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61) يقول تعالى ذكره: ولئن سألت يا محمد هؤلاء المشركين بالله، من خلق السموات والأرض فَسَوّاهن، وسخَّر الشمس والقمر لعباده، يجريان دائبين لمصالح خلق الله، ليقولنّ: الذي خلق ذلك وفَعَلَه الله. (فَأنَّى يُؤْفَكُونَ) يقول جلّ ثناؤه: &; 20-59 &; فأنى يُصْرفون عمن صنع ذلك، فيعدلون عن إخلاص العبادة له. كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (فَأنَّى يُؤْفَكُونَ): أي يعدلون.
له سبحانه كل مافي الكون من أجرام و كائنات و هو وحده الغني و كل المخلوقات إليه فقراء محاويج. الكل محتاج لحكمته و الكل لا يكتسب البصيرة و الهدى إلا بفضله و لا تتم النعمة و الهداية إلا بكلماته التي لا تنتهي و لا تنفد و كلها علم و حكمة, فلو كل شجر الأرض تحول إلى أقلام و كل ماء بحارها تحول إلى مداد لكتابة كلمات الله و حكمه و علمه لنفد كل هذا و ما نفدت حكمة الحكيم و لا علم العليم و لا كلمات الملك سبحانه و تعالى. كل الخلق عليه هين و هو على كل شيء قدير. اللهم توفنا على التوحيد الخالص يارب العالمين.