وروي عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - أنه قال: ثم استقاموا لم يشركوا بالله شيئا. وروى عنه الأسود بن هلال أنه قال لأصحابه: ما تقولون في هاتين الآيتين إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا و الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم فقالوا: استقاموا فلم يذنبوا ولم يلبسوا إيمانهم بخطيئة ، فقال أبو بكر: لقد حملتموها على غير المحمل قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلم يلتفتوا إلى إله غيره " ولم يلبسوا إيمانهم بشرك أولئك لهم الأمن وهم مهتدون. وروي عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال على المنبر وهو يخطب: إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فقال: استقاموا والله على الطريقة لطاعته ثم لم يرغوا روغان الثعالب. وقال عثمان - رضي الله عنه -: ثم أخلصوا العمل لله. وقال علي [ ص: 320] - رضي الله عنه -: ثم أدوا الفرائض. وأقوال التابعين بمعناها. قال ابن زيد وقتادة: استقاموا على الطاعة لله. إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا - YouTube. الحسن: استقاموا على أمر الله فعملوا بطاعته واجتنبوا معصيته. وقال مجاهد وعكرمة: استقاموا على شهادة أن لا إله إلا الله حتى ماتوا. وقال سفيان الثوري: عملوا على وفاق ما قالوا. وقال الربيع: أعرضوا عما سوى الله. وقال الفضيل بن عياض: زهدوا في الفانية ورغبوا في الباقية.
إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون
وقال أبو بكر الصديق في تفسير ثم استقاموا قال: لم يشركوا بالله شيئا. وعنه قال: لم يلتفتوا إلى إله غيره. وعنه قال: ثم استقاموا على أن الله ربهم. وعن ابن عباس بإسناد ضعيف قال: هذه أرخص آية في كتاب الله: قالوا ربنا الله ثم استقاموا على شهادة أن لا إله إلا الله. وروي نحوه عن أنس ومجاهد والأسود بن هلال، وزيد بن أسلم. والسدي وعكرمة وغيرهم. وروي عن عمر بن الخطاب أنه قرأ هذه الآية على المنبر إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فقال: لم يروغوا روغان الثعالب. وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: ثم استقاموا قال: استقاموا على أداء فرائضه. إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا. - YouTube. وعن أبي العالية ، قال: ثم أخلصوا له الدين والعمل. وعن قتادة قال: استقاموا على طاعة الله، وكان الحسن إذا قرأ هذه الآية قال: اللهم أنت ربنا فارزقنا الاستقامة. ولعل من قال: "إن المراد الاستقامة على التوحيد" إنما أراد التوحيد الكامل الذي يحرم صاحبه على النار، وهو تحقيق معنى لا إله إلا الله، فإن الإله هو الذي يطاع، فلا يعصى خشية وإجلالا ومهابة ومحبة ورجاء وتوكلا ودعاء، والمعاصي كلها قادحة في هذا التوحيد، لأنها إجابة لداعي الهوى [ ص: 262] وهو الشيطان، قال الله عز وجل: أفرأيت من اتخذ إلهه هواه قال الحسن وغيره: هو الذي لا يهوى شيئا إلا ركبه.
[ ص: 264] والمقاربة: أن يصيب ما قرب من الغرض إذا لم يصب الغرض نفسه. ولكن بشرط أن يكون مصمما على قصد السداد وإصابة الغرض، فتكون مقاربته عن غير عمد. ويدل عليه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث الحكم بن حزن الكلفي: "أيها الناس إنكم لن تعملوا - أو لن تطيقوا - كل ما أمرتكم، ولكن سددوا وأبشروا". والمعنى: اقصدوا التسديد والإصابة والاستقامة، فإنهم لو سددوا في العمل كله، لكانوا قد فعلوا ما أمروا به كله. ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا. فأصل الاستقامة استقامة القلب على التوحيد، كما فسر أبو بكر الصديق وغيره قوله: إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا بأنهم لم يلتفتوا إلى غيره، فمتى استقام القلب على معرفة الله، وعلى خشيته، وإجلاله. ومهابته، ومحبته، وإرادته، ورجائه، ودعائه، والتوكل عليه، والإعراض عما سواه، استقامت الجوارح كلها على طاعته، فإن القلب هو ملك الأعضاء، وهي جنوده، فإذا استقام الملك، استقامت جنوده ورعاياه، وكذلك فسر قوله عز وجل: فأقم وجهك للدين حنيفا بإخلاص القصد لله وإرادته وحده لا شريك له. وأعظم ما يراعى استقامته بعد القلب من الجوارح: اللسان، فإنه ترجمان القلب والمعبر عنه، ولهذا لما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالاستقامة، وصاه بعد ذلك بحفظ لسانه، وفي " مسند الإمام أحمد " عن أنس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه.
إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا. - Youtube
حكاه ابن جرير عن ابن عباس ، والسدي. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة ، حدثنا عبد السلام بن مطهر ، حدثنا جعفر بن سليمان: سمعت ثابتا قرأ سورة " حم السجدة " حتى بلغ: ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة) فوقف فقال: بلغنا أن العبد المؤمن حين يبعثه الله من قبره ، يتلقاه الملكان اللذان كانا معه في الدنيا ، فيقولان له: لا تخف ولا تحزن ، ( وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون) قال: فيؤمن الله خوفه ، ويقر عينه فما عظيمة يخشى الناس يوم القيامة إلا هي للمؤمن قرة عين ؛ لما هداه الله ، ولما كان يعمل له في الدنيا. إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون. وقال زيد بن أسلم: يبشرونه عند موته ، وفي قبره ، وحين يبعث. رواه ابن أبي حاتم. وهذا القول يجمع الأقوال كلها ، وهو حسن جدا ، وهو الواقع.
[ ص: 260] سورة الأحقاف
قوله تعالى: إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون (13) أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون قول سفيان بن عبد الله للنبي - صلى الله عليه وسلم -: "قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك " طلب منه أن يعلمه كلاما جامعا لأمر الإسلام كافيا حتى لا يحتاج بعده إلى غيره، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: " قل: آمنت بالله، ثم استقم " وفي الرواية الأخرى: " قل: ربي الله، ثم استقم ". هذا منتزع من قوله عز وجل: إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنـزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون
وقوله عز وجل: إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون وخرج النسائي في "تفسيره " من رواية سهيل بن أبي حزم: حدثنا ثابت عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ: إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فقال: "قد قالها الناس، ثم كفروا، فمن مات عليها فهو من أهل الاستقامة". [ ص: 261] وخرجه الترمذي ، ولفظه: فقال: "قد قالها الناس، ثم كفر أكثرهم، فمن مات عليها، فهو ممن استقام "، وقال: حسن غريب، و" سهيل " تكلم فيه من قبل حفظه.