((ويوم يعض الظالم على يديه).. فلا تكفيه يد واحدة يعض عليها. إنما هو يداول بين هذه وتلك، أو يجمع بينهما لشدة ما يعانيه من الندم اللاذع المتمثل في عضه على اليدين. وهي حركة معهودة يرمز بها إلى حالة نفسية فيجسمها تجسيما. (يقول: يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا).. فسلكت طريقه، لم أفارقه، ولم أضل عنه.. الرسول الذي كان ينكر رسالته ويستبعد أن يبعثه الله رسولا! يا ويلتا ليتني لم أتخذ فلانا خليلا.. فلانا بهذا التجهيل ليشمل كل صاحب سوء يصد عن سبيل الرسول ويضل عن ذكر الله.. (لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني).. لقد كان شيطانا يضل، أو كان عونا للشيطان (وكان الشيطان للإنسان خذولا)يقوده إلى مواقف الخذلان، ويخذله عند الجد، وفي مواقف الهول والكرب
وهكذا راح القرآن يهز قلوبهم هزا بهذه المشاهد المزلزلة، التي تجسم لهم مصيرهم المخيف، وتريهم إياه
يقول: يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا، فسلكت طريقه واتبعت سنته ولم أفارقه، يا ليتني كنت على دينه وعقيدته، يا ليتني كنت معه فأفوز فوزا عظيما، يا ويلتا ليتني لم أتخذ فلانا خليلا. ويوم يعض الظالم على يديه - القارئ مدحت رمضان - YouTube. وفي هذا المقام لم يذكر اسم الضالّ ليشمل كلّ صاحب سوء يصدّ عن سبيل الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعن دعوةِ الإسلام ومنهج القرآن.
- ويوم يعض الظالم على يديه - القارئ مدحت رمضان - YouTube
- القرآن الكريم - تفسير السعدي - تفسير سورة الفرقان - الآية 27
ويوم يعض الظالم على يديه - القارئ مدحت رمضان - Youtube
فقتل عقبة يوم بدر صبرا. وأما أبي بن خلف فقتله النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد في المبارزة ، فأنزل الله تعالى فيهما هذه الآية. وقال الضحاك: لما بزق عقبة في وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عاد بزاقه في وجهه فتشعب شعبتين ، فأحرق خديه وكان أثر ذلك فيه حتى مات.
القرآن الكريم - تفسير السعدي - تفسير سورة الفرقان - الآية 27
سيعضُّ المفرط في حق الله تعالى على يديه، حين يرى أن نصف أهل الجنة هم من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، سيكون منهم إخوته وأقرباؤه وجيرانه وأصدقاؤه، الكثير منهم هو يعرفهم ويعرفونه، ينادَون ثم يُعلن على رؤوس الأشهاد أنهم من أهل الجنة. أما هو فسيُبعد عن الجنة، ولن يكون من بين هؤلاء الفائزين، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أترضون أن تكونوا رُبعَ أهل الجنة" قلنا: نعم، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أترضون أن تكونوا ثُلثَ أهل الجنة" قلنا: نعم، قال: " أترضون أن تكونوا شطرَ أهل الجنة " قلنا: نعم، قال: "والذي نفس محمد بيده، إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة، وذلك أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة، وما أنتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر" [3]. سيعضُّ على يديه العطشان المحترق الأحشاء وهو ينظر إلى حوض الكوثر، والنبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يسقي منه المسلمين الموحدين المؤمنين، ذلك المشهد المثير لحوض الكوثر، والذي وصف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شرابه بأنه: "أشد بياضًا من اللبن، وأحلى من العسل، يغتُّ فيه ميزابان يمدانه من الجنة، أحدهما من ذهب، والآخر من وَرِق" [4] ، بينما سيُدفع هو ويبعد ولن يمنح تلك الشربة من هذا الحوض العظيم، الذي من شرب منه شربة لن يظمأ بعدها، لأنه لم يتبع سُنَّـةَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكان يزعم حبه لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولكنه ابتدع في دين الله تعالى ما لم ينزل به الله تعالى سلطانًا.
قال ابن عباس - رضي الله عنه - في تفسير قوله - تعالى -: ((لِيُوَفِّيَهُم أُجُورَهُم وَيَزِيدَهُم مِن فَضلِهِ)) فاطر: 30
نعم عباد الله يوفيهم جزاء أعمالهم، ويزيدهم من الثواب مما لم تر عين ولم تسمع أذن، ويغفر العظيم من ذنوبهم، ويشكر اليسير من أعمالهم
حقا أيها المؤمنون، إنها سعادة لا تعدلها سعادة، وفوز ما بعده فوز، يحرزه كلّ من سار على نهجهم وطريقتهم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.