والله أعلم.
وعلم ادم الاسماء كلها ثم
أي: أَخبِروني بأسماء هؤلاء المسميات. وعبَّر بضمير العقلاء في قوله: ﴿ عَرَضَهُمْ ﴾، وأشار بإشارة العقلاء ﴿ هَؤُلَاءِ ﴾؛ تغليبًا لجانب العقلاء من المسميات. وفي الآية تقرير وتوكيد لقوله تعالى: ﴿ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 30]، وتحدٍّ وتعجيز لهم، وبيان لقلة عِلمِهم؛ ولهذا قال بعده: ﴿ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [البقرة: 31]. أي: إن كنتم صادقين في قولكم: ﴿ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ ﴾ الآية [البقرة: 30] في ظنكم أن هؤلاء الذين سأستخلفُهم في الأرض سيَعصونني، ويُفسِدون في الأرض، ويسفكون الدماء، وأني لم أخلُق خلقًا إلا كنتم أفضلَ وأعلمَ منهم. وعلم ادم الاسماء كلها ثم. المصدر: « عون الرحمن في تفسير القرآن »
[1] انظر "جامع البيان" (1/ 523، 532- 533). [2] أخرجه البخاري في التوحيد (6/ 75)، ومسلم في الإيمان (193)، وابن ماجه في الزهد (2/ 43).
وعلم ادم الاسماء كلها تفسير الشعراوي
وتكفي في ذلك الإشارة إلي أن أكثر من خمسين في المائة من ألفاظ كل من اللغتين السريانية والعبرية هي ألفاظ عربية الأصل. وبالتحليل الدقيق للغات أهل الأرض( التي يقدر عددها اليوم بأكثر من خمسة آلاف لغة ولهجة) يمكن ردها إلي أصل واحد هو لغة أبوينا آدم وحواء ـ عليهما السلام ـ وقد كانت اللغة العربية, كما جاء في عدد من الآثار.
ومن أقوال ربنا ـ تبارك وتعالي ـ المؤيدة لهذا الاستنتاج ما يلي:
1 ـ وعلم آدم الأسماء كلها [ البقرة:31].
2 ـ الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان [ الرحمن:1 ـ4].
3 ـ اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم [ العلق:1 ـ5]. القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة البقرة - الآية 31.
كذلك; فإن خلق الإنسان مزوداً بأجهزة للسمع والنطق, ( منها الأذن, واللسان, والتجويف الفمي, والأحبال الصوتية المرتبطة بجهاز عصبي غاية في دقة البناء, وإحكام الأداء) ينفي ادعاءات الدهريين بأن الإنسان بدأ وجوده جاهلاً, كافراً, أبكم, ثم تعلم النطق بتقليد أصوات الحيوانات من حوله. كما تعرف علي الله من خلال فزعه من الظواهر الطبيعية.
ولعل كثيرًا من المفسرين قد هان عندهم أن يكون تفضيل آدم بتعليم الله، متعلقا بمعرفة عدد من الألفاظ الدالة على المعاني الموجودة، فراموا تعظيم هذا التعليم بتوسيعه، وغفلوا عن موقع العبرة وملاك الفضيلة، وهو إيجاد هاته القوة العظيمة، التي كان أولها تعليم تلك الأسماء. ولذلك كان إظهار عجز الملائكة عن لحاق هذا الشأو، بعدم تعليمهم لشيء من الأسماء، ولو كانت المزية والتفاضل في تعليم آدم جميع ما سيكون من الأسماء في اللغات، لكفى في إظهار عجز الملائكة عدم تعليمهم لجمهرة الأسماء، وإنما علم آدم أسماء الموجودات يومئذ كلها، ليكون إنباؤه الملائكة بها أبهر لهم في فضيلته". تفسير: (وعلم آدم الأسماء كلها ...). انتهى من "التحرير والتنوير" (1/ 411). والحاصل:
أنه ليس في الآيات ما استعمله آدم عليه السلام، ولا ما كان يأكله، ولا غير ذلك من التفصيلات، فنحن نكل علمه إلى الله تعالى، ونحاول إدراك موطن العبرة، والهداية مما أخبرنا الله به في كتابه المجيد، وأما تكلف الكلام على معرفة آدم عليه السلام بما ذكر في السؤال، إثباتا، أو نفيا: فلا طائل من وراء ذلك كله، ولا منفعة للعبد في دينه، ولا في فهم كلام ربه، بالنظر في ذلك، ولا مضرة عليه في جهل ذلك؛ والذي ينبغي على الناصح لنفسه: أن ينظر فيما ينفعه، ويعينه على فهم كلام رب العالمين، وتدبره.