قد بين صحة ما قلنا في ذلك، الخبر الذي ذكرناه عن ابن الزبيرفي قصة أسماء وأمها. وقوله: ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) يقول: إن الله يحبّ المنصفين الذين ينصفون الناس، ويعطونهم الحقّ والعدل من أنفسهم، فيبرّون من برّهم، ويُحْسنون إلى من أحسن إليهم.
إن الله يحب .
قال: ثنا إبراهيم بن الحجاج ، قال: ثنا عبد الله بن المبارك ، قال: ثنا مصعب بن ثابت ، عن عامر بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه ، قال: قدمت قتيلة بنت عبد العزى بن سعد من بني مالك بن حسل على ابنتها أسماء بنت أبي بكر ، فذكر نحوه. وقال آخرون: بل عني بها من مشركي مكة من لم يقاتل المؤمنين ، ولم [ ص: 323] يخرجوهم من ديارهم; قال: ونسخ الله ذلك بعد بالأمر بقتالهم. حدثني يونس ، قال: أخبرنا ابن وهب ، قال: قال ابن زيد: وسألته عن قول الله عز وجل: ( لا ينهاكم الله)... الآية ، فقال: هذا قد نسخ ، نسخه القتال ، أمروا أن يرجعوا إليهم بالسيوف ، ويجاهدوهم بها ، يضربونهم ، وضرب الله لهم أجل أربعة أشهر ، إما المذابحة ، وإما الإسلام. شرح معنى القاسطين والمقسطين في القرآن الكريم. حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال: ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله: ( لا ينهاكم الله)... الآية ، قال: نسختها ( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم). وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: عني بذلك: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ، من جميع أصناف الملل والأديان أن تبروهم وتصلوهم ، وتقسطوا إليهم. إن الله عز وجل عم بقوله: ( الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم) جميع من كان ذلك صفته ، فلم يخصص به بعضا دون بعض ، ولا معنى لقول من قال: ذلك منسوخ ، لأن بر المؤمن من أهل الحرب ممن بينه وبينه قرابة نسب ، أو ممن لا قرابة بينه وبينه ولا نسب غير محرم ولا منهي عنه إذا لم يكن في ذلك دلالة له ، أو لأهل الحرب على عورة لأهل الإسلام ، أو تقوية لهم بكراع أو سلاح.
الفرق بين القاسط والمقسط
مقالات متعلقة
تاريخ الإضافة: 16/12/2014 ميلادي - 24/2/1436 هجري
الزيارات: 37578
المقسط بشكل عام هو العادل، من الفعل " أقسط "، ولقد جاء في القرآن العظيم أنَّ الله جل جلاله يُحبُّ المُقسطين، مع غير المؤمنين مرتين، ومع المؤمنين مرَّة واحدة، فأما مع غير المؤمنين، فجاءت في:
♦ قوله تعالى: ﴿ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاؤُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [المائدة: 42]. ♦ وقوله تعالى: ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [الممتحنة: 8]. ♦ وأما مَرَّة مع المؤمنين، فكانت في قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [الحجرات: 9].
شرح معنى القاسطين والمقسطين في القرآن الكريم
حدثنا ابن عبد الأعلى قال: ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الحسن ، أن قوما من المسلمين كان بينهم تنازع حتى اضربوا بالنعال والأيدي ، فأنزل الله فيهم ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا) قال قتادة: كان رجلان بينهما حق ، فتدارآ فيه ، فقال أحدهما: لآخذنه عنوة ؛ لكثرة عشيرته ، وقال الآخر: بيني وبينك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتنازعا حتى كان بينهما ضرب بالنعال والأيدي. حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد قال: ثني عبد الله بن عباس قال: قال زيد في قول الله تعالى: ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما) وذلك الرجلان يقتتلان من أهل الإسلام ، أو النفر والنفر ، أو القبيلة والقبيلة فأمر الله أئمة المسلمين أن يقضوا بينهم بالحق الذي أنزله في كتابه: إما القصاص والقود ، وإما العقل والعير ، وإما العفو. ( فإن بغت إحداهما على الأخرى) بعد ذلك كان المسلمون مع المظلوم على [ ص: 296] الظالم ، حتى يفيء إلى أمر الله ، ويرضى به.
ورواه مسلم والنسائي ، من حديث سفيان بن عيينة ، به.