لماذا قال فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما
القرآن الكريم - تفسير البغوي - تفسير سورة العنكبوت - الآية 14
وقال أبو المهاجر: لبث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما في بيت من شعر ، فقيل له: يا نبي الله ابن بيتا. فقال: أموت اليوم أو أموت غدا. وقال وهب بن منبه: مرت بنوح خمسمائة سنة لم [ ص: 307] يقرب النساء وجلا من الموت وقال مقاتل وجويبر: إن آدم عليه السلام حين كبر ورق عظمه قال: يا رب إلى متى أكد وأسعى ؟ قال يا آدم حتى يولد لك ولد مختون ، فولد له نوح بعد عشرة أبطن ، وهو يومئذ ابن ألف سنة إلا ستين عاما. وقال بعضهم: إلا أربعين عاما والله أعلم فكان نوح بن لامك بن متوشلخ بن إدريس وهو أخنوخ بن يرد بن مهلاييل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم ، وكان اسم نوح السكن. وإنما سمي السكن; لأن الناس بعد آدم سكنوا إليه ، فهو أبوهم. إسلام ويب - تفسير القرطبي - سورة العنكبوت - قوله تعالى ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما - الجزء رقم10. وولد له سام وحام ويافث ، فولد سام العرب وفارس والروم. وفي كل هؤلاء خير وولد حام القبط والسودان والبربر. وولد يافث الترك والصقالبة ويأجوج ومأجوج ، وليس في شيء من هؤلاء خير. وقال ابن عباس: في ولد سام بياض وأدمة وفي ولد حام سواد وبياض قليل وفي ولد يافث - وهم الترك والصقالبة - الصفرة والحمرة وكان له ولد رابع وهو كنعان الذي غرق والعرب تسميه يام وسمي نوح نوحا; لأنه ناح على قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى الله تعالى ، فإذا كفروا بكى وناح عليهم.
إسلام ويب - تفسير القرطبي - سورة العنكبوت - قوله تعالى ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما - الجزء رقم10
( ثم نقول) لا نزاع بيننا وبينهم لأنهم يقولون: العمر الطبيعي لا يكون أكثر من مائة وعشرين سنة ، ونحن نقول: هذا العمر ليس طبيعيا بل هو عطاء إلهي ، وأما العمر الطبيعي فلا يدوم عندنا ولا لحظة ، فضلا عن مائة أو أكثر. قوله تعالى: ( فأخذهم الطوفان وهم ظالمون). فيه إشارة إلى لطيفة ، وهي أن الله لا يعذب على مجرد وجود الظلم وإلا لعذب من ظلم وتاب ، فإن الظلم وجد منه ، وإنما يعذب على الإصرار على الظلم ، فقوله: ( وهم ظالمون) يعني: أهلكهم وهم على ظلمهم ، ولو كانوا تركوه لما أهلكهم. قوله تعالى: ( فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين)
في الراجع إليه الهاء في قوله: ( وجعلناها) وجهان:
أحدهما: أنها راجعة إلى السفينة المذكورة ، وعلى هذا ففي كونها آية وجوه:
أحدها: أنها اتخذت قبل ظهور الماء ولولا إعلام الله نوحا وإنباؤه إياه به لما اشتغل بها فلا تحصل لهم النجاة. وثانيها: أن نوحا أمر بأخذ قوم معه ، ورفع قدر من القوت ، والبحر العظيم لا يتوقع أحد نضوبه ، ثم إن الماء غيض قبل نفاد الزاد ولولا ذلك لما حصل النجاة فهو بفضل الله لا بمجرد السفينة. القرآن الكريم - تفسير البغوي - تفسير سورة العنكبوت - الآية 14. وثالثها: أن الله تعالى كتب سلامة السفينة عن الرياح المرجفة والحيوانات المؤذية ، ولولا ذلك لما حصلت النجاة.
أمر الله تعالى سيدنا نوح بصنع الفلك، وهي سفينة عظيمة لم ير أحد مثلها قبل ذلك، ولن تصنع سفينة تشبهها بعدها، وأخبره الله تعالى بأنه عندما يحل وقت تنفيذ أمره وبأسه الذي لا يرد عن القوم المجرمين، لا يعاوده فيهم ولا يراجعه، لكي لا تدرك سيدنا نوح عليه السلام الرقة على قومه عند حلول العذاب، لأن خبر حلول العذاب ليس كمعاينته. اتصف قوم نوح عليه السلام، بالكفر والعناد البالغ ليس في الدنيا فقط ولكن في الآخرة أيضا، فقال البخاري حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "يجيء نوح عليه السلام وأمته، فيقول الله عز وجل هل بلغت؟ فيقول نعم، فيقول لأمته هل بلغكم؟ فيقولون لا ما جاءنا من نبي، فيقول لنوح من يشهد لك؟ فيقول محمد وأمته، فتشهد أنه قد بلغ". وقد اختلف العلماء في تحديد شكل السفينة وطولها، فقال بعض علماء السلف، لما استجاب الله تعالى لدعوة سيدنا نوح عليه السلام، أمره أن يغرس شجرا ليصنع منه السفينة، فغرسه سيدنا نوح عليه السلام وانتظره 100 سنة، ثم نجّره في 100 سنة أخرى وقيل نجّره في 40 سنة. وتقول التوراة، إن السفينة كانت من الصنوبر، وقال محمد ابن إسحاق الثوري، إن سفينة نوح عليه السلام كانت من خشب السّاج، وكان طولها 80 ذراعا، وتم طلاء باطنها وظاهرها بالقار، وكان لها جؤجؤا أزور يشق الماء، وبينما اختلف العلماء في هذه المسألة، اجتمعوا على أن ارتفاعها كان 30 ذراعا، تتكون من 3 طبقات، كل طبقة 10 أذرع، السفلى للدواب والوحوش، والوسطى للناس، والعليا للطيور، وكان بابها في عرضها، ومن فوقها باب مطبق عليها.