إبراهيم البدور
يُلاحظ خلال آخر فترة وجود "حرد" أو ما يمكن أن يُطلق عليه زعل وغضب بعد خروج أي شخص من الوظيفة العامة، وهذه الملاحظة لا يُستثنى منها لا وزير ولا موظف درجة بسيطة، فالكل "يحرد" عن سماعه خبر إحالته على التقاعد. من دار مصنوعة من «البوص» لمنزل «حياة كريمة» .. العمة رضا تروي تاريخ الصعيد | صور وفيديو - بوابة الأهرام. التقاعد هو نهاية مرحلة لعملٍ ما، وهي النقطة التي تتولد فيها قناعة عند صاحب العمل أو المسؤول في مؤسسة أن الشخص قد أعطى ما لديه وأن المرحلة تحتاج إلى ضخ دماء جديدة في الموقع. لكن مفهوم التقاعد في الأردن يختلف؛ حيث يشعر المتقاعد انه أدى دوره في الحياة وفي الأسرة، وانتهى هذا الدور، ويتحول الى شخص محبط وكئيب، يجلس في صالة بيته مهموما مكدرا عاجزا رغم أن بعضهم لديه قوة جسمانية وعقلية سليمة يطلق لحيته ولا يهتم الى لبسه، يلتزم دينياً ويصبح مواظبا على الصلاة في المسجد – بعد التقاعد مباشره-، لكن يتغير بشكل تدريجي نحو متابعة المباريات وسماع أم كلثوم وتشكيل "شلّة" يسهر معهم ويلعب الورق احياناً أُخرى. لكن هناك شعور عند غالبية المتقاعدين أنهم ظُلموا وان الذين أتوا بعدهم ليسوا في المستوى المطلوب، بحيث يتحول هذا الشعور تدريجياً الى شعور بالقهر والانتقاد المباشر والمبطن لمؤسسته وأسلوب عملها والمسؤولين عنها، ويتحول جزء منهم الى تيار المعارضة التي تنتقد كل شيء في البلد بدون استثناء!
صالة ابو السعود المحدودة
بطل العالم محمد التوري في افتتاح صاله(اوتوجيم) - YouTube
صالة ابو السعود العقاري
سألت عدداً منهم؛ لماذا يحدث هذا الانقلاب، لماذا يتحول الشخص الى معارض أو حتى حاقد على مؤسسته ومسؤوليه السابقين؟
عندما طرحت هذا السؤال توقعت ان تكون الاجابة أننا أفضل من الموجودين، وأننا قدمنا أداءً مميزًا ولكن لم يقدره المسؤلون عنا. لكن الجواب كان – من الغالبية – هو أسلوب الإخراج من العمل. وعندما تعمقت في الأسئلة وجدت ان معظمهم سمع بتقاعده من مدير مكتبه أو فرّاش المكتب أو من المواقع الإلكترونية. من يوم ما قلت جمعاء.. محيي إسماعيل: أنا تريند منذ 50 سنة.. فيديو - قناة صدى البلد. وأن مسؤوليهم لم يتواصلوا معهم ولم يطلبوهم الى مكاتبهم ولا حتى شكروهم – من باب المجاملة – على جهدهم في مؤسساتهم، وهذا ما سمعته من وزراء سابقين قبل الموظفين العاديين. وعلّل آخرون أن سبب هذا التحول يعود إلى الاساءات التي يتعرضون لها من الاشخاص الذين يأتون في مواقعهم، حيث يتم وصفهم بالفاسدين و يتم البحث في الملفات عن اي أخطاء إدارية او مالية ويصل في بعضهم الى تحويلها الى القضاء بالرغم من عدم وجود هذه الأخطاء ولكن يكون السبب هو "حرق" لهؤلاء الاشخاص وإثبات أن عهدهم كان فاسداً. أحببت في هذه المادة إلقاء الضوء على هذه الفئة التي سنكون منهم في توقيتٍ ما، وأردت ان أصف شعورهم الذي سنشعر به جميعاً عندما يأتي موعد التقاعد من عملنا، وأردت أيضاً أن أرسل رسالة لأي مسؤول أنه كما تتعامل مع زميلك المتقاعد سيتم التعامل معك عندما تخرج من الخدمة.
ورغم أن الجدة رضا تمتلك البوتجاز في منزلها الجديد، إلا إنها تؤكد أنها لم تتدرب عليه بشكل كاف؛ لذا هي مازالت تستخدم الوابور الصغير، تذهب لبناتها لملاقاة أحفادها، تقوم بالانكباب علي زخرفة حردة الرأس، كما أنها مازالت تستخدم الطشت لغسل ملابسها وتعليقها علي الحبال ووضعها في الشمس في مكان اسمه الحوش، كان يضم لوقت قريب فرنها الطيني والكانون الحجري القديم لإشعال النار وإعداد الطعام. الجدة رضا من الجيل القديم، الذي يعرف أطعمة الصعايدة القديمة كافة، إلا إنها تؤكد أن زوجها الراحل كان يعمل في اليومية، و كانت أجرته ربع جنيه فقط، وكان الرضا الذي اشتق منها اسمها لها فيه نصيب، فهي كانت راضية ومازالت رغم عمرها تدفع جزاء رضاها بمنزل للأسف لم يعش فيه زوجها الراحل الذي كان يشقي لإطعام أسرته بالحلال وبعرق جبينه. تقول لك الجدة رضا بلهجتها:"كنا فين وبقينا فين "، وتضيف أنها راضية أكثر من الرضا ما دامت فيها صحة، مؤكدة أن معها معاش شهري من التضامن الاجتماعي ، كما أن الحكومة راعتها في حياتها بأن عاشت في منزل يضم الكثير،سجاد وسيراميك، ودهان وشبابيك، ومياه وكهرباء، وهي أشياء لم تعش فيها لا في طفولتها ولا شبابها، مؤكدة أن كل أحلامها تحققت ولم يبق غير حلم وحيد أن تحج بيت الله الحرام، وأن تزور قبر نبيه عليه الصلاة والسلام، وأن تكتحل عيونها بمشاهدة الكعبة المشرفة، وهو الحلم الذي يجعلها تعيش حياتها لتحقيقه.