وبيَّن السبب الداعي الموجب لكل من ذلك، وأن الموجب لتقواه لأنه { رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ} ورزقكم، ورباكم بنعمه العظيمة، التي من جملتها خلقكم { مِن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} ليناسبها، فيسكن إليها، وتتم بذلك النعمة، ويحصل به السرور، وكذلك من الموجب الداعي لتقواه تساؤلكم به وتعظيمكم، حتى إنكم إذا أردتم قضاء حاجاتكم ومآربكم، توسلتم بـها بالسؤال بالله. فيقول من يريد ذلك لغيره: أسألك بالله أن تفعل الأمر الفلاني؛ لعلمه بما قام في قلبه من تعظيم الله الداعي أن لا يرد من سأله بالله، فكما عظمتموه بذلك فلتعظموه بعبادته وتقواه. وكذلك الإخبار بأنه رقيب، أي: مطلع على العباد في حال حركاتـهم وسكونـهم، وسرهم وعلنهم، وجميع أحوالهم، مراقبا لهم فيها مما يوجب مراقبته، وشدة الحياء منه، بلزوم تقواه. 080- الآيتان (129 - 130) (سورة النساء- تفسير السعدي). الشيخ/ إيهاب الشريف - موقع أنا السلفي. وفي الإخبار بأنه خلقهم من نفس واحدة، وأنه بثهم في أقطار الأرض، مع رجوعهم إلى أصل واحد -ليعطف بعضهم على بعض، ويرقق بعضهم على بعض. وقرن الأمر بتقواه بالأمر ببر الأرحام والنهي عن قطيعتها، ليؤكد هذا الحق، وأنه كما يلزم القيام بحق الله، كذلك يجب القيام بحقوق الخلق، خصوصا الأقربين منهم، بل القيام بحقوقهم هو من حق الله الذي أمر به.
080- الآيتان (129 - 130) (سورة النساء- تفسير السعدي). الشيخ/ إيهاب الشريف - موقع أنا السلفي
فإذا قرأه عليك
رسولنا جبريل فاستمع لقراءته وأنصت له, ثم اقرأه كما أقرأك إياه,
ثم إن علينا
توضيح ما أشكل عليك فهمه من معانيه وأحكامه. ليس
الأمر كما زعمتم- يا معشر المشركين- أن لا بعث ولا جزاء, بل أنتم قوم تحبون
الدنيا وزينتها,
وتتركون الآخرة
ونعيمها. وجوه أهل السعادة
يوم القيامة مشرقة حسنة ناعمة,
ترى خالقها ومالك
أمرها, فتمتع بذلك. سورة الإنسان - تفسير السعدي - طريق الإسلام. ووجوه الأشقياء
يوم القيامة عابسة كالحة,
تتوقع أن تنزل
بها مصيبة عظيمة, تقصم فقار الظهر. حقا إذا وصلت
الروح إلى أعالي الصدر,
وقال بعض
الحاضرين لبعض: هل من راق يرقيه ويشفيه مما هو فيه؟
وأيقن المحتضر أن
الذي نزل به هو فراق الدنيا لمعاينته ملائكة الموت,
واتصلت ضده آخر
الدنيا بشدة أول الآخرة,
إلى الله تعالى
مساق العباد يوم القيامة: إما إلى الجنة وإما إلى النار. فلا
آمن الكافر بالرسول والقرآن, ولا أدى لله تعالى فرائض الصلاة,
ولكن
كتب بالقرآن, وأعرض عن الإيمان,
ثم مضى إلى أهله
يتبختر مختالا في مشيته. هلاك لك فهلاك,
ثم هلاك لك
فهلاك. أيظن هذا الإنسان
المنكر للبعث أن يترك هملا لا يؤمر ولا ينهى, ولا يحاسب ولا يعاقب؟
ألم يك هذا
الإنسان نطفة ضعيفة من ماء مهين يراق ويصب في الأرحام,
ثم صار قطعة من
دم جامد, فخلقه الله بقدرته وسوى صورته في أحسن تقويم؟
فجعل من هذا
الإنسان الصنفين: الذكر والأنثى,
أليس
ذلك الإله الخالق لهذه الأشياء بقادر على إعادة الخلق بعد فنائهم؟ بلى إنه -
سبحانه وتعالى- لقادر على ذلك.
سورة الإنسان - تفسير السعدي - طريق الإسلام
وقوله تعالى لما ذكر نعيم الجنة إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا
عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلا فيه الوعد والوعيد وبيان كل ما يحتاجه العباد، وفيه
الأمر بالقيام بأوامره وشرائعه أتم القيام، والسعي في تنفيذها، والصبر على ذلك. ولهذا قال: فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا
أي: اصبر لحكمه القدري، فلا تسخطه، ولحكمه الديني، فامض عليه، ولا يعوقك عنه عائق. وَلا تُطِعْ من المعاندين، الذين يريدون أن يصدوك آثِمًا أي: فاعلا إثما ومعصية
ولا كَفُورًا فإن طاعة الكفار والفجار والفساق، لا بد أن تكون في المعاصي، فلا
يأمرون إلا بما تهواه أنفسهم. سورة القيامة - تفسير السعدي - طريق الإسلام. ولما كان الصبر يساعده القيام بعبادة الله ،
والإكثار من ذكره، أمره الله بذلك، فقال: وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً
وَأَصِيلا أي: أول النهار وآخره، فدخل في ذلك، الصلوات المكتوبات وما يتبعها من
النوافل، والذكر، والتسبيح، والتهليل، والتكبير في هذه الأوقات. وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ
لَهُ أي: أكثر [ له] من السجود، ولا يكون ذلك إلا بالإكثار من الصلاة. وَسَبِّحْهُ لَيْلا طَوِيلا وقد تقدم تقييد هذا المطلق بقوله: يَا أَيُّهَا
الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا الآية [ وقوله] إِنَّ هَؤُلاءِ أي:
المكذبين لك أيها الرسول بعد ما بينت لهم الآيات، ورغبوا ورهبوا، ومع ذلك، لم يفد
فيهم ذلك شيئا، بل لا يزالون يؤثرون، الْعَاجِلَةَ ويطمئنون إليها، وَيَذَرُونَ
أي: يتركون العمل ويهملون وَرَاءَهُمْ أي: أمامهم يَوْمًا ثَقِيلا وهو يوم
القيامة، الذي مقداره خمسون ألف سنة مما تعدون، وقال تعالى: يَقُولُ الْكَافِرُونَ
هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ فكأنهم ما خلقوا إلا للدنيا والإقامة فيها.
سورة القيامة - تفسير السعدي - طريق الإسلام
إن الله بالغ أمره, لا يفوته شيء, ولا يعجزه مطلوب, قد جعل الله لكل شيء أجلا
ينتهي إليه, وتقديرا لا يجاوزه. والنساء المطلقات اللاتي انقطع عنهن دم الحيض, لكبر سنهن, إن شككتم فلم
تدروا ما الحكم فيهن؟ فعدتهن ثلاثة أشهر, والصغيرات اللاتي لم يحضن, فعدتهن ثلاثة
أشهر كذلك. وزوات الحمل من النساء عدتهن أن يضعن حملهن. ومن يخف الله, فينفذ أحكامه, يجعل له من أمره يسرا في الدنيا والآخرة. ذلك الذي ذكر من أمر الطلاق والعدة أمر الله
الذي أنزله إليكم- أيها الناس- لتعملوا به. ومن يخف الله فيتقه باجتناب معاصيه, وأداء فرائضه, يمح عنه ذنوبه, ويجزل له الثواب
في الآخرة, ويدخله الجنة. أسكنوا المطلقات من نسائكم في أثناء عدتهن مثل سكناكم على قدر سعتكم
وطاقتكم, ولا تلحقوا بهن ضررا, لتضيقوا عليهن في المسكن, إن كان نساؤكم المطلقك
ذوات حمل, فأنفقوا عليهن في عدتهن حتى يضعن حملهن, فإن أرضعن لكم أولادهن منكم
بأجرة, فوفوهن أجورهن, وليأمر بعضكم بعضا بما عرف من سماحة وطيب نفس, إن لم تتفقوا
على إرضاع الأم, فترضع للأب مرضعة أخرى غير الأم المطلقة. لينفق الزوج مما وسع الله عليه على زوجته
المطلقة, وعلى ولده إذا كان الزوج ذا سعة في الرزق, ومن ضيق عليه في الرزق وهو
الفقير, فلينفق مما أعطاه الله من الرزق, لا يكلف الفقير مثل ما يكلف الغني, سيجعل
الله بعد ضيق وشدة سعة وغنى.
وحقيق بكتاب موصوف. بما ذكر، أن يحمد الله نفسه على إنزاله، وأن يتمدح إلى عباده به.