وحجتهم أن المنهى عنه محدد وواضح فى قوله تعالى: «ولا تقربوهن حتى يطهرن» (البقرة:222)، وهو الجماع، فبقى ما عداه على أصل الإباحة. المسألة الثانية: الجماع بعد انقطاع دم حيض الزوجة وقبل اغتسالها:
اختلف الفقهاء فى مدى مشروعية جماع الزوجة التى انقطع دم حيضها ولم تغتسل بعد، وذلك على ثلاثة مذاهب:
المذهب الأول: يرى عدم مشروعية جماع الزوجة حتى تغتسل بعد انقطاع الحيض، وهو مذهب الجمهور قال به المالكية والشافعية والحنابلة، وحجتهم أن الله تعالى شرط لحل وطء الزوجة بعد الحيض أن تتطهر فقال سبحانه: «ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله» (البقرة:222)، فقوله تعالى: «يطهرن» يعنى من الحيض، وقوله تعالى: «تطهرن» يعنى بالماء غسلًا. المذهب الثانى: يرى التفصيل بين انقطاع دم الحيض لأكثره أو لعادته أو لأقله. وهو مذهب الحنفية. (1) فإن كان الدم قد انقطع لأقله وهو ثلاثة أيام عند الحنفية فلا يجوز وطؤها حتى تمضى عادتها إذا كانت أكثر من ذلك وإن اغتسلت، وذلك احتياطًا لعل الحيض يستأنف. وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حتى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ..! - مجتمع رجيم. (2) وإن كان الدم انقطع لعادته الغالبة فلا يجوز وطؤها قبل الاغتسال، أو تصير الصلاة دينًا فى ذمتها؛ لأنها تكون مقصرة بتأخير الاغتسال.
إسلام ويب - تفسير الطبري - تفسير سورة البقرة - القول في تأويل قوله تعالى " ولا تقربوهن حتى يطهرن "- الجزء رقم4
والذي يدل على ذلك أن الحيض يعطي قذارة للرجل في مكان حساس هو موضوع الإنزال عنده، فإذا وصلت إليه الميكروبات تصيبه بأمراض خطيرة. والذي يحدث أن الحق قد خلق رحم المرأة وفي مبيضيها عدد محدد معروف له وحده سبحانه وتعالى من البويضات، وعندما يفرز أحد المبيضين البويضة فقد لا يتم تلقيح البويضة، فإن بطانة الرحم المكون من أنسجة دموية تقل فيها نسبة الهرمونات التي كانت تثبت بطانة الرحم، وعندما تقل نسبة الهرمونات يحدث الحيض. إسلام ويب - تفسير الطبري - تفسير سورة البقرة - القول في تأويل قوله تعالى " ولا تقربوهن حتى يطهرن "- الجزء رقم4. والحيض هو دم يحتوي على أنسجة غير حية، وتصبح منطقة المهبل والرحم في حالة تهيج، لأن منطقة المهبل والرحم حساسة جدا لنمو الميكروبات المسببة للالتهابات سواء للمرأة، أو للرجل إن جامع زوجته في فترة الحيض. والحيض يصيب المرأة بأذى في قوتها وجسدها؛ بدليل أن الله رخص لها ألاّ تصوم وألاّ تصلي إذن فالمسألة منهكة ومتعبة لها، فلا يجوز أن يرهقها الرجل بأكثر مما هي عليه. إذن فقوله تعالى: {هُوَ أَذًى} تعميم بأن الأذى يصيب الرجل والمرأة. وبعد ذلك بين الحق أن كلمة (أذى) حيثية تتطلب حكما يرد، إما بالإباحة وإما بالحظر، وما دام هو أذى فلابد أن يكون حظراً. يقول عز وجل: {فاعتزلوا النسآء فِي المحيض وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ} والذي يقول: إن المحيض هو مكان الحيض يبني قوله بأن المحرم هو المباشرة الجنسية، لكن ما فوق السرة وما فوق الملابس فهو مباح، فقوله الحق: {وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ} أي لا تأتوهن في المكان الذي يأتي منه الأذى وهو دم الحيض.
فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْن - إسلام ويب - مركز الفتوى
(04) قوله تعالى [وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ - وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ- حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ- لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ- أن يأتيكم التابوت فيه سكينة] البقرة 221-24
تاريخ النشر: ٠٣ / رمضان / ١٤٣٨
مرات
الإستماع: 1398
وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حتى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ..! - مجتمع رجيم
المصدر: موقع نداء الإيمان
محتوي مدفوع
ولم يكن ترك المصريين لمذهب الجمهور فى هاتين المسألتين وغيرهما تجرؤًا على جمهور الفقهاء؛ لأنهم من أكثر الناس تعظيمًا للعلم وتوقيرًا لأهله، ولا أدل على ذلك من احتضانهم للأزهر طويل العمر وأقدم جامعة عرفتها الإنسانية الحديثة، كما لم يكن ترك المصريين لمذهب الجمهور عن هوى؛ لأنهم ما تركوه هجرًا للعلم إلى الجهل، وإنما تركوه للأخذ بوجه فقهى معتبر فى ذاته قال به بعض أهل العلم الثقات ممن يجوز اتباعهم. وإنما كان اختيار المصريين لمذهب الحنابلة الذين سبقوهم بالانفراد بحكم جواز الاستمتاع بالزوجة فى أيام حيضها مطلقًا بغير جماع، واختيار مذهب ابن حزم الظاهرى الذى سبق بالانفراد بحكم جواز جماع الزوجة بمجرد انقطاع دم حيضها بعد الاستبراء بغسل الفرج ولو لم تغتسل؛ لأن هذين الحكمين يتفقان مع الطبيعة البشرية ويرفعان عنها الحرج الذى جاء الإسلام به كما قال تعالى: «وما جعل عليكم فى الدين من حرج» (الحج: 78).