ود. محمد حجازي يوضح حقيقة المثل فيقول: مثلهم كبستان ذي أشجار ملتفة قد كست الأرض، وهو بمكان مرتفع، متمتع بالشمس والهواء ينزل عليه المطر الغزير فيثمر ضعفين من ثمر وأمثاله، وإذا نزل عليه مطر بسيط أثمر، وذلك لجودة تربته ونقاء منبته، والمعنى في هذا التمثيل، أن المنفق لله وفي سبيله وهو يقصد تثبيت نفسه على الخير كالأرض الجيدة التربة العظيمة الخصبة. فهو يجود بقدر سعته وما في يده فإن أصابه خير كثير أنفق كثيرًا، وإن أصابه قليل أنفق على قدر سعته فخيره دائم وبره لا ينقطع كالبستان، يثمر مطلقًا إذا نزل عليه مطر كثير أو قليل، ولكن «من» في قوله تعالى: «وتثبيتًا من أنفسهم» ماذا تفيد وهي كما نعلم حرف جر؟ أتفيد الابتداء أم التبعيض أم غيرها. ابتغاء مرضاة الله - مع القرآن - أبو الهيثم محمد درويش - طريق الإسلام. ويجيب الإمام الألوسي على هذا فيقول: «وتثبيتًا من أنفسهم»، أي ولتثبيت أو مثبتين بعض أنفسهم على الإيمان- فمن تبعيضية- كما في قولهم: هز من عطفيه وحرك من نشاطه فإن للنفس قوى بعضها مبدأ بذل المال، وبعضها مبدأ بذل الروح، فمن سخر قوة بذل المال لوجه الله تعالى، فقد ثبت بعض نفسه، ومن سخر قوة بذل المال وقوة بذل الروح، فقد ثبت كل نفس، وقد تجعل مفعول تثبيتًا محذوفًا أي تثبيتًا للإسلام وتحقيقًا للجزاء من أصل أنفسهم وقلوبهم- فمن- ابتدائية كما في قوله تعالى: «حسدًا من عند أنفسهم» ويحتمل أن يكون المعنى وتثبيتًا من أنفسهم عند المؤمنين أنها صادقة الإيمان مخلصة فيه ويعضده قراءة مجاهدة «وتبينًا من أنفسهم».
ابتغاء مرضاة الله - مع القرآن - أبو الهيثم محمد درويش - طريق الإسلام
جملة: (مثل الذين ينفقون.. ) لا محلّ لها معطوفة على استئناف سابق. وجملة: (ينفقون أموالهم) لا محلّ لها صلة الموصول (الذين). وجملة: (أصابها وابل) في محلّ نصب حال من جنّة فهي موصوفة أو في محلّ جرّ نعت لجنّة. وجملة: (آتت... ) معطوفة على جملة أصابها وابل في محلّ نصب أو جرّ. وجملة: (إن لم يصبها وابل) معطوفة على جملة أصابها في محلّ نصب أو جرّ. وجملة: (مصيبها) طلّ) في محلّ جزم جواب الشرط مقترنة بالفاء. وجملة: (اللّه... تفسير قوله تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ...}. بصير) لا محلّ لها استئنافيّة. وجملة: (تعملون) لا محلّ لها صلة الموصول (ما) اسميّة أو مصدريّة. الصرف: (تثبيتا)، مصدر ثبّت الرباعيّ فهو قياسيّ، وزنه تفعيل. (ربوة)، يجوز في الراء الضمّ والفتح والكسر، وهو اسم جامد وزنه هنا فعلة بفتح الفاء. (أكل)، اسم جامد وزنه فعل بضمتين، وقد تسكّن عينه. (ضعفين)، مثنّى ضعف وهو صفة مشتقّة من ضعف يضعف باب فتح، وزنه فعل بكسر الفاء (الآية 245). (طلّ)، اسم جامد وزنه فعل بفتح فسكون. البلاغة: 1- التشبيه التمثيلي: فقد شبه الذين ينفقون أموالهم خالصة من الرياء في سبيل مرضاة اللّه بالبستان الكائن بمكان مرتفع وأصابه مطر شديد فأثمر مثلي ما كان يثمر في سائر الأوقات بسبب ما أصابه من الوابل.. إعراب الآية رقم (266): {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266)}.
فصل: إعراب الآية رقم (265):|نداء الإيمان
وقوله: وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ مَثَل نفقة الذين يُنفقون كمثل جنة، أو مثل الذين ينفقون، كمثل غارس جنة، كما قلنا في المثل الأول الذي هو: مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ [سورة البقرة:261] هنا المُنفق يُمثل بحبة، كمثل باذر حبة، إذا كان المثل مضروب للمنفقين، وإذا كان المثل مضروب للنفقات، مثل نفقات الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ [سورة البقرة:261]. وهنا وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ غارس جنة، إذا كان المثل قد ضُرب للمنفقين، وإذا كان المثل قد ضُرب للنفقات: ومثل نفقات الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله، وتثبيتًا من أنفسهم، كمثل جنة، فهذا يحتمل، وبين الأمرين (المُنفق والنفقة) مُلازمة، والمقصود: بيان عِظم عائدة هذه النفقة، وما يكون لها من ثمرة، وعائدة تعود على صاحبها عند الله -تبارك وتعالى. فالذي يُنفق ماله رئاء ناس مثله بالصفوان، الذي عليه تراب، فأصابه وابل فغسله، ولم يرجع من ذلك بشيء، وهنا على عكس ذلك: جنة بربوة، فهذا لا شك أنه بيان للبون بين الحالين، والفرق العظيم بين هؤلاء وهؤلاء.
تفسير قوله تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ...}
ما وجملة (وَاللَّهُ) استئنافية. عطف مثل الذين ينفقون أموالهم في مرضاة الله على مَثَل الذي ينفق ماله رئاء الناس ، لزيادة بيان ما بين المرتبتين مِن البَوْن وتأكيداً للثناء على المنفقين بإخلاص ، وتفنّناً في التمثيل. فإنّه قد مثَّله فيما سلف بحبَّة أنبتت سبع سنابل ، ومثّله فيما سلف تمثيلاً غير كثيرِ التركيب لتحصل السرعة بتخيّل مضاعفة الثواب ، فلما مَثَّل حال المنفق رِئاءً بالتمثيل الذي مضى أعيد تمثيل حال المنفق ابتغاء مرضاة الله بما هو أعجب في حسن التخيُّل؛ فإنّ الأمثال تبهج السامع كلّما كانت أكثر تركيباً وضمّنت الهيأة المشبّه بها أحوالاً حسنة تكسبها حُسناً ليسري ذلك التحسين إلى المشبَّه ، وهذا من جملة مقاصد التشبيه. فصل: إعراب الآية رقم (265):|نداء الإيمان. وانتصب { ابتغاء مرضاة الله وتثبيتاً} على الحال بتأويل المصدر بالوصف ، أي مبتغين مرضاة الله ومثَبِّتين من أنفسهم. ولا يحسن نصبهما على المفعول له ، أما قوله «ابتغاء» فلأن مفاد الابتغاء هو مفاد اللام التي ينتصب المفعول لأجله بإضمارها ، لأنّ يؤول إلى معنى لأجل طلبهم مرضاة الله ، وأما قوله «وتثبيتاً» فلأنّ حكمَهُ حكم ما عطف هو عليه. والتثبيت تحقيق الشيء وترسيخه ، وهو تمثيل يجوز أن يكون لكبح النفس عن التشكّك والتردّد ، أي أنّهم يمنعون أنفسهم من التردّد في الإنفاق في وجوه البر ولا يتْركون مجالاً لخواطر الشحّ ، وهذا من قولهم ثبت قدمه أي لم يتردّد ولم ينكص ، فإنّ إراضة النفس على فعل ما يشُق عليها لها أثر في رسوخ الأعمال حتى تعتاد الفضائل وتصير لها ديدناً.
ويجوز أن يكون «من» بمعنى اللام، والمعنى توطينًا لأنفسهم على طاعة الله تعالى، وإلى ذلك ذهب أبو علي الجبائي- وليس بالبعيد- وفيه تنبيه على أن حكمة الإنفاق للمنفق تزكية النفس عن البخل وحب المال الذي هو الداء العضال والرأس لكل خطيئة. وهنا يرد سؤال عن معنى التبعيض أورده الزمخشري وأجاب عنه فقال: قلت معناه إن من بذل ماله لوجه الله فقد ثبت بعض نفسه، ومن بذل ماله وروحه فهو الذي ثبتها كلها؛ وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم، والمعنى ومثل نفقة هؤلاء في زكائها عند الله «كمثل حبة» وهي البستان «بربوة» بمكان مرتفع، وخصها لأن الشجرة فيها أزكى وأحسن ثمرًا. وابن كثير يقول عن «كمثل جنة بربوة»: أي كمثل بستان بربوة وهو عند الجمهور المكان المرتفع من الأرض، ويبين أن فيها ثلاث لغات بفتح الراء وضمها وكسرها، ويقول البيضاوي: أي ومثل نفقة هؤلاء في الزكاة كمثل بستان مرتفع، فإن شجرة يكون أحسن منظرًا وأزكى ثمارًا، وقد ضرب بهذا المثل لعمل المؤمن كما جاء عن قتادة: هذا مثل ضربه الله لعمل المؤمن. ذكر ذلك الشوكاني. ويعلل الغرناطي لجودة أرض هذه الجنة فيقول: لأن ارتفاع الجنة أطيب لتربتها وهوائها. وهنا يرد اعتراض على هذا وهو أن المكان المرتفع لا يحسن ريعه لبعده عن الماء وربما تضربه الرياح، كما أن الوهاد لكونها مصب المياه، قلما يحسن ريعها فإذا البستان لا يصلح له إلا الأرض المستوية، فالمراد بالربوة أرض طيبة حرة تنتفخ وتربو، إذا نزل عليها المطر، فإنها إذا كانت على هذه الصفة كثر دخلها وكمل شجرها كقوله تعالي: «وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت، ومما يؤكد ما ذكرنا أن هذا المثل في مقابلة المثل الأول، فكما أن الصفوان لا يربو ولا ينمو بسبب نزول المطر عليه فينبغي أن تكون هذه الأرض بحيث تربو وتنمو.