القول في تأويل قوله تعالى: جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33) يقول تعالى ذكره: بساتين إقامة يدخلونها هؤلاء الذين أورثناهم الكتاب، الذين اصطفينا من عبادنا يوم القيامة (يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ) يلبسون في جنات عدن أسورة من ذهب ( وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ) يقول: ولباسهم في الجنة حرير. وقوله ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ) اختلف أهل التأويل في الحَزَنِ الذي حمد الله على إذهابه عنهم هؤلاء القوم؛ فقال بعضهم: ذلك الحزَن الذي كانوا فيه قبل دخولهم الجنة من خوف النار إذ كانوا خائفين أن يدخلوها. * ذكر من قال ذلك: حدثني قتادة بن سعيد بن قتادة السدوسي قال: ثنا معاذ بن هشام صاحب الدستوائي قال: ثنا أَبي عن عمرو بن مالك عن أَبي الجوزاء عن ابن عباس في قوله ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ) قال: حزن النار.
جنات عدن يدخلونها تجري من تحتها الأنهار - Youtube
جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ (23) قوله تعالى: جنات عدن يدخلونها أي لهم جنات عدن; ف " جنات عدن " بدل من عقبى ويجوز أن تكون تفسيرا ل " عقبى الدار " أي لهم دخول جنات عدن; لأن عقبى الدار حدث و " جنات عدن " عين ، والحدث إنما يفسر بحدث مثله; فالمصدر المحذوف مضاف إلى المفعول. ويجوز أن يكون " جنات عدن " خبر ابتداء محذوف. و " جنات عدن " وسط الجنة وقصبتها ، وسقفها عرش الرحمن; قاله القشيري أبو نصر عبد الملك. وفي صحيح البخاري: إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة فيحتمل أن يكون " جنات " كذلك إن صح فذلك خبر. وقال عبد الله بن عمرو: إن في الجنة قصرا يقال له عدن ، حوله البروج والمروج; فيه ألف باب ، على كل باب خمسة آلاف حبرة لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد. جنات عدن يدخلونها تجري من تحتها الأنهار - YouTube. وعدن مأخوذ من عدن بالمكان إذا أقام فيه; على ما يأتي بيانه في سورة " الكهف " إن شاء الله تعالى. ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم يجوز أن يكون معطوفا على أولئك المعنى: أولئك ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم لهم عقبى الدار.
القرآن الكريم - تفسير القرطبي - تفسير سورة الرعد - الآية 23
ويجوز أن يكون معطوفا على الضمير المرفوع في " يدخلونها " وحسن العطف لما حال الضمير المنصوب بينهما. ويجوز أن يكون المعنى: يدخلونها ويدخلها من صلح من آبائهم ، أي من كان صالحا ، لا يدخلونها بالأنساب. ويجوز أن يكون موضع " من " نصبا على تقدير: يدخلونها مع من صلح من آبائهم ، وإن لم يعمل مثل أعمالهم يلحقه الله بهم كرامة لهم. وقال ابن عباس: هذا الصلاح الإيمان بالله والرسول ، ولو كان لهم مع الإيمان طاعات أخرى لدخلوها بطاعتهم لا على وجه التبعية. قال القشيري: وفي هذا نظر; لأنه لا بد من الإيمان ، فالقول في اشتراط العمل الصالح كالقول في اشتراط الإيمان. جنات عدن يدخلونها ومن صلح. فالأظهر أن هذا الصلاح في جملة الأعمال ، والمعنى: أن النعمة غدا تتم عليهم بأن جعلهم مجتمعين مع قرابتهم في الجنة ، وإن دخلها كل إنسان بعمل نفسه; بل برحمة الله تعالى. قوله تعالى: والملائكة يدخلون عليهم من كل باب أي بالتحف والهدايا من عند الله تكرمة لهم.
وقال آخرون: عني به الموت. * ذكر من قال ذلك: حدثنا أَبو كريب قال: ثنا ابن إدريس عن أبيه عن عطية في قوله ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ) قال: الموت. وقال آخرون: عني به حزن الخبز (2). * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد قال: ثنا يعقوب عن حفص يعني ابن حميد عن شمر قال: لما أدخل الله أهل الجنة الجنة قالوا( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ) قال: حزن الخبز. وقال آخرون. عني بذلك: الحزن من التعب الذي كانوا فيه في الدنيا. * ذكر من قال ذلك: ------------------------ الهوامش: (2) كذا في الأصل: الخبز، ولعل المراد به. جنات عدن يدخلونها تجري. هم العيش في الدنيا. والعيش فيها قوامه الطعام والخبز.