كان هذا الغني المتجبر هو قارون بن يصهب كان من قوم موسى، وقد قيل: إنه كان من قرابته، وقد رزقه الله كنوزا كثيرة، وغصَّت خزائنه بالأموال، وقد كانت مفاتيحها، يثقل حملها على الفئام من الناس لكثرتها. فبغى في هذه الكنوز، وجحدَ نعمةَ الله عليه، ولم يجعلها طريقا إلى الطاعة والاستقامة. إعراب قوله تعالى: فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا ياليت لنا الآية 79 سورة القصص. وذات يوم خرج قارون في زينته، قال تعالى: ( فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ) تقلد زينةً فخمْةً عظيمة، وتجمل بمراكب وملابس، قد علاها الكبر والتفاخر، واحتفت بها ألوان البهجة والتعالي من خدم وحشم وأعوان، فافتتن ضعاف النفوس وطلاب الدنيا بهذا المنظر الفتان، وهذه الأبهة الكبيرة فقالوا: ( يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) [القصص: 79] تمنى المفتونون بالدنيا وزخارفها أن لو كان لهم مثل نعمته، وتمنوا جماله وغناه، وتمنوا زينته ومراكبه، فلقد أوتي من الدنيا حظا وافرا، ومالا كثيرا. ولكم أن تتصوروا هذا الموقف، وما فيه من الكبرياء والعظمة والتعاظم بالجاه والقوة والتعالي بالثراء والمحاسن، وما فيه من نسيان نعمة الله -تعالى-، والتنكر لآياته، وما فيه من احتقار الناس وربما التسلط على الضعفة والمساكين، وما فيه من كسر قلوب الجوعى والمعدمين وما فيه.
- فخرج على قومه في زينته شبه الجمله وقعت في محل - الجديد الثقافي
- فخرج على قومه في زينته .. - المورد التعليمي
- إعراب قوله تعالى: فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا ياليت لنا الآية 79 سورة القصص
فخرج على قومه في زينته شبه الجمله وقعت في محل - الجديد الثقافي
- الشيخ: يقول يعني أن الجزاء من جنس العمل، لما كان يعني ذنبه الطغيان والعلو في الأرض والفخر جاءت العقوبة على النقيض من ذلك وهو الخسف، يعني عوقب بنقيض مطلوبه، عوقب بالخسف بالأرض الذي هو غاية من الانحطاط والذل، خسف إلى التحت وهو يريد العلو. - القارئ: {وما كان له من فئة} أي: جماعة، وعصبة، وخدم، وجنود {ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين} أي: جاءه العذاب، فما نصر ولا انتصر. فخرج على قومه في زينته شبه الجمله وقعت في محل - الجديد الثقافي. {وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس} أي: الذين يريدون الحياة الدنيا، الذين قالوا: {يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون} {يقولون} متوجعين ومعتبرين، وخائفين من وقوع العذاب بهم: {ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر} أي: يضيق الرزق على من يشاء، وعلمنا حينئذ أن بسطه لقارون، ليس دليلا على خير فيه، وأننا غالطون في قولنا: {إنه لذو حظ عظيم} و. - الشيخ: المهم أنهم استفادوا، استفادوا من العبرة، كثير من الخلق لا يستفيد لا يستفيد، لكن هؤلاء استفادوا وأقروا بفضل الله عليهم أن لم يفعل بهم ما فعل بقارون. - القارئ: و{لولا أن من الله علينا} فلم يعاقبنا على ما قلنا، فلولا فضله ومنته {لخسف بنا} فصار هلاك قارون عقوبة له، وعبرة وموعظة لغيره، حتى إن الذين غبطوه، سمعت كيف ندموا، وتغير فكرهم الأول.
فخرج على قومه في زينته .. - المورد التعليمي
ومنها: الحذر من زينة الدنيا، وأنها مفتاح الانتكاسة، وطريق الكبر والغرور، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول لصحابته: " إن مما أخشى عليكم من بعدي ما يُفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها ". ومن دروس هذه القصة: فضيلة أهل العلم، وأنهم مصدر أمان الأمة، وسبب سلامتها، والصادعون بالحق حين الاختلاف والتباس الأمور. فخرج على قومه في زينته .. - المورد التعليمي. ومنها: فضيلة التواضع والانكسار لله -تعالى-، وأنه طريق الجنة، قال تعالى: ( تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا) [القصص: 83]. ومن الدروس: أن طغيان المال والتميز على الناس، صاد عن سماع الموعظة والانتفاع بها فقد وعظ قارون صالحو قومه فقالوا: ( لاَ تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ الفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ المُفْسِدِينَ) [القصص: 77]. ومن الدروس: إن الله -تعالى- لا يعجزه ظالمٌ طغىَ، وجبار تكبر، ولا ذو زينة تفاخر، فإذا جاء أمر الله، فان أخذه اليم شديد، يجعل الكنوز هشيما، والوجاهة خرابا، والقوة تبابا وهوانا: ( فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ)، وفي صحيح البخاري عن ابن عمر: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: " بينما رجل يجر إزاره قد خُسِفَ به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة ".
إعراب قوله تعالى: فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا ياليت لنا الآية 79 سورة القصص
ومن الدروس أيضا: أن المال قد يكون فتنة لبعض الناس، يطغى فيه ويتمرد، وليس هو علامة صلاح في العبد كما قد ظنه أهل الدنيا في قارون، وان الله قد يبتلي بالنعم والأرزاق. قد يُنعم اللهُ بالبلوى وإن عظُمت *** ويبتلي الله بعض القوم بالنعمِ
ومنها: أن في هلاك هؤلاء المستكبرين عبرة لأولي الألباب، أن يحذروا طريقهم، ويجتنبوا مسالكهم، ولقد كان لقارون عبرة فيمن سبق لو فكر واتعظ، ولكن كابر وعاند، قال تعالى: ( أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) [القصص: 78]. ومنها: أن هوان الدنيا بالنسبة لما عند الله في الآخرة، لا يدركه إلا الصابرون المؤمنون، الذين صبروا على محنة الدنيا، ورجوا ما عند الله فمن الفضل الحسن، والثواب الدائم، قال تعالى: ( وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [الزخرف: 71]. وفيها من الدروس المهمة: أن العاقبة للمتقين مهما تطاول المجرمون، فيها وانتفخ المستكبرون، وأظهروا ما لديهم من زينة عظيمة أو قوة متينة، فقد ظهر وغلب المتقون في كل زمان ومكان، ولكن الله يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، وقد قال تعالى: ( إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً) [آل عمران: 178]، وقال تعالى: ( فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَداًّ) [مريم: 84].
وذلك جامع لأحوال الرفاهية وعلى أخصر وجه لأن الذين يريدون الحياة الدنيا لهم أميال مختلفة ورغبات متفاوتة فكل يتمنى أمنية مما تلبس به قارون من الزينة ، فحصل هذا المعنى مع حصول الأخبار عن انقسام قومه إلى مغترين بالزخارف العاجلة عن غير علم ، وإلى علماء يؤثرون الآجل على العاجل ، ولو عطفت جملة { قال الذين يريدون} بالواو وبالفاء لفاتت هذه الخصوصية البليغة فصارت الجملة إما خبراً من جملة الأخبار عن حال قومه ، أو جزء خبر من قصته. و { الذين يريدون الحياة الدنيا} لما قوبلوا ب { الذين أوتوا العلم} [ القصص: 80] كان المعنيُّ بهم عامة الناس وضعفاء اليقين الذين تلهيهم زخارف الدنيا عما يكون في مطاويها من سوء العواقب فتقصر بصائرهم عن التدبر إذا رأوا زينة الدنيا فيتلهفون عليها ولا يتمنون غير حصولها فهؤلاء وإن كانوا مؤمنين إلا أن إيمانهم ضعيف فلذلك عظم في عيونهم ما عليه قارون من البذخ فقالوا { إنه لذو حظ عظيم} أي إنه لذو بخت وسعادة. وأصل الحظ: القِسم الذي يعطاه المقسوم له عند العطاء ، وأريد به هنا ما قسم له من نعيم الدنيا. والتوكيد في قوله { إنه لذو حظ عظيم} كناية عن التعجب حتى كأن السامع ينكر حظه فيؤكده المتكلم.