قوله تعالى: والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن والله سميع عليم
فيه خمس مسائل:
الأولى: قوله تعالى: والقواعد من النساء القواعد واحدتها قاعد ، بلا هاء ؛ ليدل حذفها على أنه قعود الكبر ، كما قالوا: امرأة حامل ؛ ليدل بحذف الهاء أنه حمل حبل. قال الشاعر: فلو أن ما في بطنه بين نسوة حبلن وإن كن القواعد عقرا وقالوا في غير ذلك: قاعدة في بيتها ، وحاملة على ظهرها ، بالهاء. والقواعد أيضا: أساس البيت واحده قاعدة ، بالهاء. إسلام ويب - تفسير القرطبي - سورة النور - قوله تعالى والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا - الجزء رقم12. الثانية: القواعد: العجز اللواتي قعدن عن التصرف من السن ، وقعدن عن الولد والمحيض ؛ هذا قول أكثر العلماء. قال ربيعة: هي التي إذا رأيتها تستقذرها من كبرها. وقال أبو عبيدة: اللاتي قعدن عن الولد ؛ وليس ذلك بمستقيم ، لأن المرأة تقعد عن الولد وفيها مستمتع ، قاله المهدوي. الثالثة: قوله تعالى: فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة إنما [ ص: 287] خص القواعد بذلك لانصراف الأنفس عنهن ؛ إذ لا مذهب للرجال فيهن ، فأبيح لهن ما لم يبح لغيرهن ، وأزيل عنهم كلفة التحفظ المتعب لهن. الرابعة: قرأ ابن مسعود ، وأبي ، وابن عباس ( أن يضعن من ثيابهن) بزيادة ( من) قال ابن عباس: وهو الجلباب.
إسلام ويب - تفسير القرطبي - سورة النور - قوله تعالى والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا - الجزء رقم12
والمتحصَّل مما ذكرناه أنه يجوز للقواعد من النساء أن يضعن عن جسدهن الجلباب والخمار، وذلك يقتضي جواز كشف الشعر والذراع والعنق وشيء من الصدر، ولا يصح لهن كشف مادون ذلك. كالبطن والأرداف والظهر ونحو ذلك مما أعتيد ستره
نعم لا يصحُّ للقواعد أن يكشفن ذلك إذا كنَّ مشتملات على الزينة كالحلي والأصباغ بل لا يصح لهن كشف الثياب المزينة أي المشتملة على الزينة أو الثياب ذات الألوان الزاهية التي تتخذ عادة للزينة أو يرى العرف أنها من الزينة وهذا هو معنى قوله تعالى ﴿غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ﴾ ورغم أن وضع الجلباب والخمار جائز للقواعد من النساء إلا أن الأولى بهن التعفُّف عن ذلك كما هو مقتضى قوله تعالى: ﴿وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾. والحمد الله رب العالمين
الشيخ محمد صنقور
3 /ربيع الأول /1426هـ
ولعلَّها أرادت أنْ تُشير إلى أنَّ المرأة المُسنَّة لو لم تنقضِ عنها الرغبةُ في النكاح فإنَّها لا تكون مشمولةً للأحكام المترتِّبة على عنوان القواعد. وبذلك يكونُ الخارج عن أحكام القواعد صنفان من النساء:
الصنفُ الأول: هو المرأة الشابَّة التي لا رغبةَ لها في النكاح. والصنفُ الثاني: هو المرأة المُسنَّة التي يتَّفق عدم انقضاء رغبتِها في النكاح. وبتعبيرٍ آخر: إنَّ من المحتمل قويَّاً أنَّ وصف القواعد باللاتي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا ليس لغرض التعريف وإنَّما هو لغرض الاشتراط، بمعنى أنَّ الأحكام المترتِّبة على القواعد منوطةٌ بفعليَّة عدم رغبة المسنَّات في النكاح، فوصفُ القواعد باللاتي لا يرجون نكاحاً حيثية تقيديَّة وليس وصفاً توضيحيَّاً، ويمكن تعزيزُ هذا الاحتمال بدعوى أنَّ مفهوم القواعد مفهومٌ واضحٌ عُرفاً وأنَّ المراد منه النساء المُسنَّات، فالوصف المذكور إنَّما أُريد منه التقييد دون التفسير. وأما المقدار الذي يجوز للقواعد كشفه أمام الأجنبي فقد وقع الاختلاف فيه بين الفقهاء، فقد نُسب إلى بعض الفقهاء القول بجواز كشف تمام الجسد ماعدا العورة، واحتمل السيدُ الخوئي (رحمه الله) أنَّ منشأ المصير إلى هذا القول هو استظهارُ الإطلاق من الآية حيثُ أفادت أنَّه لا جُناح على القواعد في وضع ثيابهنَّ دون أنْ تقيِّد الثياب بنوعٍ خاص منها كالقناع مثلاً أو الجلباب، وهذا ما يقتضي استظهارأنَّ للقواعد وضعَ جميع الثياب عنهنَّ.