أمَّا الواقع الذي صار إليه حال كثيرٍ منا، وهو أنَّهم إذا رأوا أصحابَ البلاء فلا تسأل، تجد التَّصوير، هؤلاء في كربٍ، في شدَّةٍ، في حادثٍ، والناس تتوقف لتُصور، ثم بعد ذلك السَّبق في النَّشر، نشر هذه الصُّور عبر هذه الوسائل، وهذا لا يجوز، حرام. سمعتُ أحدهم يقول: بأنَّه قد انقلبت به سيارتُه في مجرى سيلٍ، يقول: وأنا أُحاول الخروج منه. وهو في عشر الستين، يقول: أحاول أن أخرج منه. يقول: وإذا بشابٍّ يتوقف، فظننتُ أنه جاء ليُسعف. يقول: وأنا رأسي يخرج من السيارة، أريد الخروج، أهمّ بالخروج. يقول: تسمح لي ألتقط صورة؟ يعني: وصل الأمرُ إلى هذا الحدِّ. أمَّا الشَّماتة فحدِّث ولا حرج، إذا فعل الإنسان؛ وقع في شيءٍ من البلاء، وقع في معصيةٍ، خذلته ذنوبُه، وقع في أمورٍ لا تليق، لا تحسُن، لا تجمُل، صدرت عنه تصرفات، أو وُجد في مكان ريبةٍ، أو نحو ذلك، فهذا -نسأل الله العافية- يسير الركبانُ بتلك الأخبار، ويتسابق المتسابقون لنشرها وإذاعتها، وهذا لا يجوز، وإنما المشروع أن يقول: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به. وهذه –للأسف- أصبحت بلاءً عامًّا يشترك فيه بعضُ مَن ينتسب إلى دينٍ، أو دعوةٍ، أو علمٍ، أو نحو ذلك، الشَّماتة بالناس، ونشر ما يُسمَّى بالفضائح، ومن مقاطع صوتية تقتطع من كلام المتكلمين، أو صور، أو أخبار قد لا تثبت، كلّ هذا لا يصحّ، ولا يجوز.
الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك ا
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. أما بعد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته،
هذا باب "مَن رأى مُبتلًى"، أورد فيه المؤلفُ حديثًا واحدًا، وهو حديث أبي هريرة قال: قال رسولُ الله ﷺ: مَن رأى مُبتلًى فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به، وفضَّلني على كثيرٍ ممن خلق تفضيلًا؛ لم يُصبه ذلك البلاء. هذا الحديث أخرجه الترمذي، وقال: غريبٌ من هذا الوجه [1]. وقال ابنُ عدي: فيه عبدالله بن عمر بن حفص، صدوق، لا بأس به. وقال الحافظُ ابن حجر في "الإسناد العمري": وعبدالله بن شبيب [2]. وهذا الحديث حسَّن إسناده جمعٌ من أهل العلم: كالهيثمي [3] ، وكذا السيوطي في بعض كتبه [4] ، وضعَّفه في بعضها، والشيخ ناصر الدين الألباني -رحمه الله- صححه في بعضها [5] ، وحسَّنه في بعضٍ [6] ، وقال في موضعٍ آخر: قويٌّ بالطرق [7]. قوله: مَن رأى مُبتلًى هذا المبتلى لم يُقيد بالابتلاء بالدِّين، أو الابتلاء بالبدن، أو المال، أو الولد، أو نحو ذلك. مَن رأى مُبتلًى فيحتمل أنَّ المقصود بذلك العموم، يعني: مُبتلًى في بدنه، كأن يكون به داء، أو آفة، أو إعاقة، أو نحو ذلك مما يتأذّى به: كالطول المفرط، والقصر المفرط، والبرص، والجذام، ولربما أثر حادثٍ، أو نحو ذلك سبَّب له تشويهًا، أو أثر حرقٍ.
والله أعلم