[ ص: 282] القول في تأويل قوله تعالى: ( كلا إن كتاب الفجار لفي سجين ( 7) وما أدراك ما سجين ( 8) كتاب مرقوم ( 9) ويل يومئذ للمكذبين ( 10) الذين يكذبون بيوم الدين ( 11)). يقول تعالى ذكره: ( كلا) ، أي ليس الأمر كما يظن هؤلاء الكفار ، أنهم غير مبعوثين ولا معذبين ، إن كتابهم الذي كتب فيه أعمالهم التي كانوا يعملونها في الدنيا ( لفي سجين) وهي الأرض السابعة السفلى ، وهو " فعيل " من السجن ، كما قيل: رجل سكير من السكر ، وفسيق من الفسق. الباحث القرآني. وقد اختلف أهل التأويل في معنى ذلك ، فقال بعضهم: مثل الذي قلنا في ذلك. ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار ، قال: ثنا أبو أحمد ، قال: ثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن مغيث بن سمي: ( إن كتاب الفجار لفي سجين) قال: في الأرض السابعة. حدثنا ابن حميد ، قال: ثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن مغيث بن سمي ، قال: ( إن كتاب الفجار لفي سجين) قال: الأرض السفلى ، قال: إبليس موثق بالحديد والسلاسل في الأرض السفلى. حدثني يونس ، قال: أخبرنا ابن وهب ، قال: أخبرني جرير بن حازم ، عن سليمان الأعمش ، عن شمر بن عطية ، عن هلال بن يساف ، قال: كنا جلوسا إلى كعب أنا وربيع بن خثيم وخالد بن عرعرة ، ورهط من أصحابنا ، فأقبل ابن عباس ، فجلس إلى جنب كعب ، فقال: يا كعب أخبرني عن سجين ، فقال كعب: أما سجين: فإنها الأرض السابعة السفلى ، وفيها أرواح الكفار تحت حد إبليس.
- الباحث القرآني
- لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون تفسير
- قال تعالى لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون
- اعراب لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون
الباحث القرآني
حدثني يونس ، قال: أخبرنا ابن وهب ، قال: قال ابن زيد ، في قوله: ( كلا إن كتاب الفجار لفي سجين) قال: يقال سجين: الأرض السافلة ، وسجين: بالسماء الدنيا. وقال آخرون: بل ذلك حد إبليس. حدثنا ابن حميد ، قال: ثنا يعقوب القمي ، عن حفص بن حميد ، عن شمر ، قال: جاء ابن عباس إلى كعب الأحبار ، فقال له ابن عباس: حدثني عن قول الله: ( إن كتاب الفجار لفي سجين) الآية ، قال كعب: إن روح الفاجر يصعد بها إلى السماء ، فتأبى السماء أن تقبلها ، ويهبط بها إلى الأرض فتأبى الأرض أن تقبلها ، فتهبط فتدخل تحت سبع أرضين ، حتى ينتهى بها إلى سجين ، وهو حد إبليس ، فيخرج لها من سجين من تحت حد إبليس ، رق فيرقم ويختم ويوضع تحت حد إبليس بمعرفتها [ ص: 284] الهلاك إلى يوم القيامة. حدثنا أبو كريب ، قال: ثنا ابن يمان ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن سعيد ، في قوله: ( إن كتاب الفجار لفي سجين) قال: تحت حد إبليس. وقال آخرون: هو جب في جهنم مفتوح ، ورووا في ذلك خبرا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. حدثنا به إسحاق بن وهب الواسطي ، قال: ثنا مسعود بن مسكان الواسطي ، قال: ثنا نضر بن خزيمة الواسطي ، عن شعيب بن صفوان ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الفلق جب في جهنم مغطى ، وأما سجين فمفتوح ".
﴿ وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ ﴾ مبتدأ والجار والمجرور خبر. ﴿ عَيْنًا ﴾ مفعول به لفعل محذوف (أمدح) أو تفجر. ﴿ الَّذِينَ ﴾ اسم إن. ﴿ أَجْرَمُوا ﴾ فعل ماض والواو فاعل، والجملة صلة الموصول، وخبر إن جملة ﴿ كَانُوا ﴾. ﴿ انْقَلَبُوا ﴾ فعل ماض والواو فاعل، والجملة جواب إذا. ﴿ فَكِهِينَ ﴾ حال. ﴿ وَإِذَا رَأَوْهُمْ ﴾ فعل ماض والواو فاعل والهاء مفعول به. ﴿ هَؤُلَاءِ ﴾ اسم إن. ﴿ لَضَالُّونَ ﴾ خبرها. ﴿ أُرْسِلُوا ﴾ فعل ماض مبني للمجهول والواو نائب فاعل. ﴿ حَافِظِينَ ﴾ حال. ﴿ فَالْيَوْمَ ﴾ الفاء للعطف، اليوم ظرف زمان. ﴿ الَّذِينَ ﴾ مبتدأ خبره ﴿ يَضْحَكُونَ ﴾. ﴿ هَلْ ﴾ حرف استفهام. ﴿ ثُوِّبَ ﴾ فعل ماض مبني للمجهول. ﴿ الْكُفَّارُ ﴾ نائب فاعل. ﴿ مَا ﴾ اسم موصول منصوب بنزع الخافض (بما). ﴿ كَانُوا ﴾ فعل ماض ناسخ والواو اسمها، وجملة ﴿ يَفْعَلُونَ ﴾ في محل نصب خبرها. معاني الكلمات:
للمطفِّفين: للغاشِّين في الكيل والميزان. يُخسِرون: يُنقِصون. الفجار: المسفِرون عن كفرهم. سجين: كتاب جامع لعتاة الكفر في قعر جهنم. مرقوم: مختوم. أساطير: أكاذيب. ران: غلَّف قلوبَهم السوادُ. لمحجوبون: عن رؤية الله تعالى في الآخرة ومحجوبون عن رحمته.
لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92) القول في تأويل قوله تعالى: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92) قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: لن تدركوا، أيها المؤمنون، البرَّ = وهو " البر " من الله الذي يطلبونه منه بطاعتهم إياه وعبادتهم له ويرجونه منه، وذلك تفضّله عليهم بإدخالهم جنته، وصرف عذابه عنهم. * * * ولذلك قال كثير من أهل التأويل " البر " الجنة، لأن بر الربّ بعبده في الآخرة، إكرامه إياه بإدخاله الجنة. (1) ذكر من قال ذلك. 7386 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن شريك، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون في قوله: " لن تنالوا البر " ، قال: الجنة. 7387 - حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون في قوله: " لن تنالوا البر " ، قال: البر الجنة. 7388 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " لن تنالوا البر " ، أما البر فالجنة. * * * قال أبو جعفر: فتأويل الكلام: لن تنالوا، أيها المؤمنون، جنة ربكم = " حتى تنفقوا مما تحبون " ، يقول: حتى تتصدقوا مما تحبون وتهوَوْن أن يكون لكم، من نفيس أموالكم، كما:- 7389 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون " ، يقول: لن تنالوا برَّ ربكم حتى تنفقوا مما يعجبكم، ومما تهوَوْن من أموالكم.
لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون تفسير
إعراب الآية رقم (92): {لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92)}. الإعراب: (لن) حرف نفي ونصب (تنالوا) مضارع منصوب وعلامة النصب حذف النون.. والواو فاعل (البرّ) مفعول به منصوب (حتّى) حرف غاية وجرّ (تنفقوا) مضارع منصوب ب (أن) مضمرة بعد حتّى، والواو فاعل (من) حرف جرّ (ما) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ متعلّق ب (تنفقوا)، والعائد محذوف (تحبّون) مضارع مرفوع وعلامة الرفع ثبوت النون.. والواو فاعل. والمصدر المؤوّل (أن تنفقوا) في محلّ جرّ ب (حتّى)، والجارّ والمجرور متعلّق ب (تنالوا). الواو عاطفة (ما) اسم شرط جازم مبنيّ في محلّ نصب مفعول به مقدّم (تنفقوا) مضارع مجزوم فعل الشرط وعلامة الجزم حذف النون.. والواو فاعل (من شيء) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف حال من ما، الفاء رابطة لجواب الشرط (إنّ) حرف مشبّه بالفعل (اللّه) لفظ الجلالة اسم إنّ منصوب الباء حرف جرّ والهاء ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (عليم) (عليم) خبر إنّ مرفوع. جملة: (لن تنالوا.. ) لا محلّ لها استئنافيّة. وجملة: (تنفقوا) لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ (أن). وجملة: (تحبّون) لا محلّ لها صلة الموصول (ما).
قال تعالى لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون
(7) ------------------ الهوامش: (1) انظر تفسير "البر" فيما سلف 2: 8 / 3: 336-338 ، 556 / 4: 425. وفي المطبوعة: "وإكرامه إياه" بزيادة "واو" ، وهو خطأ صوابه في المخطوطة. (2) انظر "ما" بمعنى "مهما" فيما سلف قريبًا ص: 551. (3) الحديث: 7394- حميد: هو ابن أبي حميد الطويل. والحديث رواه أحمد في المسند: 12170 ، عن يحيى بن سعيد القطان ، و: 12809 ، عن محمد بن عبد الله الأنصاري ، و: 13803 ، عن عبد الله بن بكر - ثلاثتهم عن حميد ، عن أنس ابن مالك (ج 3 ص 115 ، 174 ، 262 حلبي). ورواه الترمذي 4: 81 ، من طريق عبد الله بن بكر ، عن حميد. وقال: "هذا حديث حسن صحيح". وذكره السيوطي 1: 50 ، وزاد نسبته لعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن مردويه. وهو اختصار لرواية مطولة ، رواها مالك في الموطأ ، ص: 995-996 ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أنس بن مالك. ورواها أحمد في المسند: 12465 (3: 141 حلبي) ، من طريق مالك. ورواها البخاري 3: 257 ، 5: 295-297 ، و 8: 168 ، ومسلم 1: 274- كلاهما من طريق مالك أيضًا. وسيأتي عقب هذا ، مختصرًا أيضًا ، من رواية ثابت عن أنس. الحائط: البستان من النخيل إذا كان عليه حائط ، وهو الجدار. (4) الحديث: 7395- حماد: هو ابن سلمة.
اعراب لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون
تفسير القرآن الكريم
فالخبيث بمعنى الرديء ومن ذلك أيضاً تسمية النبي صلى الله عليه وسلم البصل والكراث الشجرة الخبيثة (115) ؛ لأنها رديئة منتنة كريهة ، حتى إن الإنسان إذا أكل منها وبقيت رائحتها في فمه فإنه يحرم عليه أن يدخل المسجد ، لا للصلاة ولا لغير الصلاة ؛ لأن المسجد معمور بالملائكة فإذا دخل المسجد آذى الملائكة ، والملائكة طيبون ، والطيبون للطيبات، تكره الخبائث من الأعمال والأعيان ، فإذا دخلت المسجد وأنت ذو رائحة كريهة آذيت الملائكة. وكان الرجل في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد وقد أكل كراثاً أو بصلاً طردوه طرداً إلى البقيع ، والبقيع تعرفون المسافة بينه وبين المسجد النبوي وأنها بعيدة ، يطرد إلى البقيع ولا يقرب المسجد. ونأسف فإن بعض الناس ، نسأل الله لنا ولهم الهداية والعصمة ، يشرب الدخان أو الشيشة ويأتي إلى المسجد ورائحة الدخان والشيشة في فمه أو على ثيابه ، مع أن هذه رائحة كريهة كلٌ يكرهها ، حتى إن بعض الناس لا يستطيع أن يصلي جنب مثل هؤلاء ، وهؤلاء يحرم عليهم أن يدخلوا المسجد والروائح الكريهة بفيهم. وكذلك من به إصنان ، والإصنان رائحة كريهة تفوح من إبطيه ، أو تفوح من أذنيه ، أو تفوح من رأسه وتؤذي ، فإنه لا يجوز أن يصلي ما دامت الرائحة المؤذية فيه، لا يجوز أن يدخل المسجد بل يبتعد.