- عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: ((سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم قال: يا حكيم، إنَّ هذا المال خَضِرة حُلْوة، فمن أخذه بسخاوة نفس، بورك له فيه، ومن أخذه بإشْراف نفس، لم يُـبَارك له فيه، كالذي يأكل ولا يشبع، اليد العُليا خير من اليد السُّفلى)) [3746] رواه البخاري (1472)، ومسلم (1035). قال النَّووي: (قال العلماء: إشْراف النَّفس، تطلُّعها إليه، وتعرُّضها له، وطمعها فيه. من هو النعمان بن بشير رضي الله عنهما. وأمَّا طِيب النَّفس، فذكر القاضي فيه احتمالين، أظهرهما: أنَّه عائد على الآخذ، ومعناه: مَن أخذه بغير سؤال، ولا إشْراف وتطلُّع، بورك له فيه. والثَّاني: أنَّه عائد إلى الدَّافع، ومعناه: مَن أخذه ممَّن يدفع منشرحًا بدفعه إليه، طَيِّب النَّفس، لا بسؤالٍ اضطرَّه إليه، أو نحوه ممَّا لا تطيب معه نفس الدَّافع) [3747] ((شرح النَّووي على صحيح مسلم)) (3/486). وفي هذا الحديث: الحثُّ على النَّـزَاهَة والقناعة، والرِّضا بما تيسَّر، وإن كان قليلًا، والإجمال في الكَسْب، وأنَّه لا يغترُّ الإنسان بكثرة ما يَحْصُل له بإشْرافٍ ونحوه؛ فإنَّه لا يُبارك له فيه. انظر أيضا:
أولًا: النَّزَاهَة في القرآن الكريم.
من هو النعمان بن بشير اعطاني ابي عطيه
وفيها مقتل النعمان بن بشير الأنصاري
وأمه عمرة بنت رواحة، كان النعمان أول مولود ولد بالمدينة بعد الهجرة للأنصار، في جمادى الأول سنة ثنتين من الهجرة، فأتت به أمه تحمله إلى النبي ﷺ فحنكه وبشرها بأنه يعيش حميدا، ويقتل شهيدا، ويدخل الجنة، فعاش في خير وسعة. ولي نيابة الكوفة لمعاوية تسعة أشهر، ثم سكن الشام، وولي قضاءها بعد فضالة بن عبيد، وفضالة بعد أبي الدرداء. مسند النعمان بن بشير. وناب بحمص لمعاوية، وهو الذي رد آل رسول الله ﷺ إلى المدينة بأمر يزيد له في ذلك، وهو الذي أشار على يزيد بالإحسان إليهم فرق لهم يزيد وأحسن إليهم وأكرمهم، ثم لما كانت وقعة مرج راهط وقتل الضحاك بن قيس، وكان النعمان قد أمده بأهل حمص. فقتلوه بقرية يقال لها: بيرين، قتله رجل يقال له: خالد بن خلي المازني، وقتل خلي بن داود وهو جد خالد بن خلي. وقد رثته ابنته فقالت:
ليت ابن مرنة وابنه * كانوا لقتلك واقية
وبني أمية كلهم * لم تبق منهم باقية
جاء البريد بقتله * يا للكلاب العاوية
يستفتحون برأسه * دارت عليهم فانية
فلأبكين سريرةً * ولأبكين علانية
ولا بكينك ما حييـ*ـت مع السباع العادية
وقيل: إن أعشى همدان قدم على النعمان بن بشير وهو على حمص وهو مريض. فقال له النعمان: ما أقدمك؟
قال: لتصلني وتحفظ قرابتي وتقضي ديني.
من هو النعمان بن بشير بن سعد الانصاري الخزرجي
وهكذا ينبغي لطالب العلم، بل ينبغي للمعلم أن يقرب المعاني المعقولة لأذهان الناس بضرب الأمثال المحسوسة، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم. وفي هذا الحديث إثبات القُرعة وأنَّها جائزة.
من هو النعمان بن بشير رضي الله عنهما
وفي هذا المثل دليلٌ على أنه ينبغي لمعلم الناس أن يضرب لهم الأمثال، ليقرب لهم المعقول بصورة المحسوس، قال الله – تعالى -: ﴿ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 43]، وكم من إنسان تشح له المعنى شرحًا كثيرًا وتردده عليه فلا يفهم، فإذا ضربت له مثلًا بشيء محسوس يفهمه ويعرفه. وانظر إلى المثل العجيب الذي ضربه النبي -صلى الله عليه وسلم- لرجل من الأعراب صاحب بادية إبل جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: يا رسول الله، إن زوجتي ولدَتْ غلامًا أسود - يعني وأنا أبيض والمرأة بيضاء. من أين جاءنا هذا الأسود؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «هل لك من إبلٍ؟» قال: نعم، قال: «ما ألوانها؟» قال: حُمر. قال: «هل فيها من أَوْرق؟» يعني أسود ببياض. من هو النعمان بن بشير؟. قال: نعم. قال: «من أين جاءها ذلك؟» قال: لعله نزعه عرق، يعني ربما يكون له أجداد أو جدات سابقة لونها هكذا، فنزعة هذا العرق، قال: «فابنك هذا لعله نزعه عرق»، لعل واحدًا من أجداده أو جدَّاته أو أخواله أو آبائه لونه أسود فجاء الولد عليه، فاقتنع الأعرابي تمام الاقتناع، لو جاءه النبي عليه الصلاة والسلام يشرح له شرحًا فهو أعرابي لا يعرف، لكن أتاه بمثال من حياته التي يعيشها، فانطلق وهو مقتنع.
ويحتمل أنه إخبار بالواقع وإن لم يكن إقرارًا له؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قد يخبِر بالشيء الواقع أو الذي سيقع من غير إقرار له، أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أننا سنركب سنن اليهود والنصارى، فقال: ((لَتركبُنَّ سنن من كان قبلكم حذوَ القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضبٍّ لدخلتموه))، قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: ((فمَن؟)). فهل هذا إقرار؟ لا، لكنه تحذير. على كل حال الملك له حمى يحمى، سواء بحق أو بغير حق، فإذا جاء الناس يَرعَون حول الحمى؛ حول الأرض المعشبة المخضرة، فإنهم لا يملِكون منع البهائم أن ترتع فيها. اهم صفات النعمان بن بشير - التنور التعليمي. ثم قال عليه الصلاة والسلام: ((ألا وإن حمى الله محارمُه)) الله عز وجل أحاط الشريعة بسياج محكم، حمى كل شيء محرَّم يضر الناس في دينهم ودنياهم حماه، وإذا كان الشيء مما تدعو النفوس إليه شدَّد السياج حوله، إذا كان مما تدعو النفوس إليه فإنه يشدد السياج حوله. انظر مثلًا إلى الزنا والعياذ بالله، الزنا سببُه قوة الشهوة وضعف الإيمان، لكن النفوس تدعو إليه؛ لأنه جبلَّة وطبيعة، فجعل حوله سياجًا يبعد الناس عنه، فقال: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ﴾ [الإسراء: 32]، لم يقل: ولا تَزْنُوا، قال: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ﴾، يشمل كل ذريعة توصِّل إلى الزنا؛ من النظر، واللمس، والمحادثة، وغير ذلك.