أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب ، حدثنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، حدثنا أبو العباس الأصم ، أخبرنا الربيع ، أخبرنا الشافعي ، أنبأنا سفيان ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تجدون الناس معادن كمعادن الذهب والفضة ، فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا ". تفسير: (وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة). والفقه: هو معرفة أحكام الدين ، وهو ينقسم إلى فرض عين وفرض كفاية ، ففرض العين مثل: علم الطهارة والصلاة ، والصوم ، فعلى كل مكلف معرفته ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " طلب العلم فريضة على كل [ ص: 113] مسلم ". وكذلك كل عبادة أوجبها الشرع على كل واحد ، يجب عليه معرفة علمها ، مثل: علم الزكاة إن كان له مال ، وعلم الحج إن وجب عليه. وأما فرض الكفاية فهو: أن يتعلم حتى يبلغ درجة الاجتهاد ورتبة الفتيا ، فإذا قعد أهل بلد عن تعلمه عصوا جميعا ، وإذا قام من كل بلد واحد فتعلمه سقط الفرض عن الآخرين ، وعليهم تقليده فيما يقع لهم من الحوادث ، روى أبو أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم ". وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد ".
تفسير: (وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة)
وردت كلمة "فرقة" في القرآنِ العظيم مرةً واحدة، وذلك في الآية الكريمة 122 التوبة (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ). ووردت كلمة "طائفة" في القرآن العظيم عشرين مرة، منها: (ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ) (من 154 آل عمران)، (وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ) (من 81 النساء). ولو أنَّنا تدبَّرنا الآيةَ الكريمةَ الوحيدة التي وردت فيها كلمة "فرقة"، لتبيَّنَ لنا أنَّ القرآنَ العظيم يُعلِّمُنا بأنَّ "الفرقةَ" هي أكبرُ من "الطائفة". ويتبيَّنُ لنا هذا جلياً بتدبُّرِنا الآية الكريمة 122 من سورة التوبة أعلاه.
وقد فهم بعضُ أهل العلم أن هذه الآية ناسخة لقوله تعالى: ﴿ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً... ﴾ [التوبة: 36]، ونحوها، والحق أنه لا نسخ؛ لأن المذكور عند النفير العام هذا، وطلب العلم يكون فرض عين؛ كحدود الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، وسائر الفرائض العينية. ويكون فرض كفاية؛ كتحصين الحصون، وإقامة الجسور، والفصل بين الخصوم، ومعرفة الصناعات الحربية. الأحكام:
1- وجوب طلب العلم. 2- أن الجهاد فرض كفاية، أعني إذا لم يهاجم العدو دار الإسلام؛ فإنه يصبح حينئذٍ فرض عين. 3- يجب أن يكون غرض المعلم الإرشاد والإنذار. 4- يجب أن يكون غرض المتعلم اكتساب الخشية لا الاستكبار. 5- يجب العمل بخبر الواحد.