وكان المراد بنعمة ربه نعمة الهداية إلى الدين الحق. والتحديث: الإخبار ، أي: أخبر بما أنعم الله عليك اعترافا بفضله ، وذلك من الشكر. والقول في تقديم المجرور وهو ( بنعمة ربك) على متعلقه كالقول في تقديم ( فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر). تفسير قوله تعالى: وأما السائل فلا تنهر. والخطاب للنبيء - صلى الله عليه وسلم - فمقتضى الأمر في المواضع الثلاثة أن تكون خاصة به ، وأصل الأمر الوجوب ، فيعلم أن النبيء - صلى الله عليه وسلم - واجب عليه ما أمر به ، وأما مخاطبة أمته بذلك فتجري على أصل مساواة الأمة لنبيها فيما فرض عليه ما لم يدل دليل على الخصوصية ، فأما مساواة الأمة له في منع قهر اليتيم ونهر السائل فدلائله كثيرة مع ما يقتضيه أصل المساواة. وأما مساواة الأمة في الأمر بالتحدث بنعمة الله فإن نعم الله على نبيه - صلى الله عليه وسلم - شتى منها ما لا مطمع لغيره من الأمة فيه ، مثل نعمة الرسالة ونعمة القرآن ونحو ذلك من مقتضيات الاصطفاء الأكبر ، ونعمة الرب في الآية مجملة. [ ص: 404] فنعم الله التي أنعم بها على نبيه - صلى الله عليه وسلم - كثيرة منها ما يجب تحديثه به وهو تبليغه الناس أنه رسول من الله ، وأن الله أوحى إليه ، وذلك داخل في تبليغ الرسالة ، وقد كان يعلم الناس الإسلام فيقول لمن يخاطبه: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله.
- تفسير قوله تعالى: وأما السائل فلا تنهر
تفسير قوله تعالى: وأما السائل فلا تنهر
ويكون النشر على ترتيب اللف. فإن فسر { السائل} بسائل معروف كان مقابل قوله: { ووجدك عائلاً فأغنى} [ الضحى: 8] وكان من النشر المشوش ، أي المخالف لترتيب اللف ، وهو ما درج عليه «الكشاف». والنهر: الزجر بالقول مثل أن يقول: إليك عني. ويستفاد من النهي عن القهر والنهر النهي عما هو أشد منهما في الأذى كالشتم والضرب والاستيلاء على المال وتركه محتاجاً وليس من النهر نهي السائل عن مخالفة آداب السؤال في الإِسلام.
وقيل: معناه لا تحتقر اليتيم فقد كنت يتيماً عن مجاهد وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحسن إلى اليتامى ويبرّهم ويوصي بهم. ان احساس اليتيم بالنقص يكفيه قهرا ، ولابد ان يقوم المجتمع بتعويض هذا النقص بالعطف عليه ، لكــي لا يتكرس هذا النقــص في نفســه ، فيصـاب بعقدة الضعة ، و يحــاول ان ينتقـم عندما يكبر من المجتمع ، و يتعالــى علـى أقرانــه ، و يستكبر في الأرض و.. و..
ولعل التعبير بعدم القهر يشمل أمرين: الأول: دفع حقوق اليتيم اليه ، الثاني: عدم أخذ الحق من عنده بالقهر و التسلط. و قد راعى القرآن الجانب النفسي لليتيم مع انه بحاجة عادة الى معونة ماديةايضا ، أوتدري لماذا ؟ أولا: لان كل الأيتام يحتاجون الى عطف معنوي ، بينما قد لا يحتاج بعضهم الى عون مادي ، ثانيا: لان النهي عن قهرهم يتضمن النهي عن استضعافهم المادي ايضا. وفي معنى «السائل» عدّة تفاسير. كلمة«نَهَرَ» بمعنى ردّ بخشونة، ولا يستبعد أن تكون مشتركة في المعنى مع «نهر» الماء، لأنّ النهر يدفع الماء بشدّة
الأوّل: أنّه المتجه بالسؤال حول القضايا العلمية والعقائدية والدينية، والدليل على ذلك هو أنّ هذا الأمر تفريع ممّا جاء في الآية السابقة: (ووجدك ضالاً فهدى)، فشكر هذه الهداية الإلهية يقتضي أن تسعى أيّها النّبي في هداية السائلين، وأن لا تطرد أي طالب للهداية عنك.