( ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين). قوله تعالى: ( ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين). ص81 - كتاب صحيح البخاري ط السلطانية - باب قوله ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم - المكتبة الشاملة. اعلم أنه تعالى لما صبره على أذى قومه ، وأمره بأن يصفح الصفح الجميل أتبع ذلك بذكر النعم العظيمة التي خص الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم بها; لأن الإنسان إذا تذكر كثرة نعم الله عليه سهل عليه الصفح والتجاوز ، وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: اعلم أن قوله: ( آتيناك سبعا) يحتمل أن يكون سبعا من الآيات ، وأن يكون سبعا من السور ، وأن يكون سبعا من الفوائد. وليس في اللفظ ما يدل على التعيين. وأما المثاني: فهو صيغة جمع ، واحده مثناة ، والمثناة كل شيء يثنى ، أي: يجعل اثنين من قولك: ثنيت الشيء إذا عطفته أو ضممت إليه آخر ، ومنه يقال: لركبتي الدابة ومرفقيها مثاني; لأنها تثنى بالفخذ والعضد ، ومثاني الوادي معاطفه. إذا عرفت هذا فنقول: سبعا من المثاني مفهومه سبعة أشياء من جنس الأشياء التي تثنى ولا شك أن هذا القدر مجمل ، ولا سبيل إلى تعيينه إلا بدليل منفصل وللناس فيه أقوال:
الأول: وهو قول أكثر المفسرين: إنه فاتحة الكتاب وهو قول عمر وعلي وابن مسعود وأبي هريرة والحسن وأبي العالية ومجاهد والضحاك وسعيد بن جبير وقتادة ، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ الفاتحة ، وقال: هي السبع المثاني رواه أبو هريرة ، والسبب في وقوع هذا الاسم على الفاتحة أنها سبع آيات ، وأما السبب في تسميتها بالمثاني فوجوه:
الأول: أنها تثنى في كل صلاة بمعنى أنها تقرأ في كل ركعة.
ص81 - كتاب صحيح البخاري ط السلطانية - باب قوله ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم - المكتبة الشاملة
لأن الآخر أضيف إلى الأول الذي سبقه. ولقد اتيناك سبعا من المثاني والقران. فالتثنية: هي رد الشيء على غيره وتكراره. قال تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} (الزمر 23). فالنص يخبر أن الله أنزل كتاباً متشابهاً مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم.
تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ١٩١
ومن ثم قام بجمع الأحرف من بدايات السور وحذف المكرر فوصل إلى أنهم أربعة عشر حرفاً، وقال إن هذه المقاطع الصوتية هي الحد الأدنى لتأسيس أية لسان في العالم وهي الحد الأدنى للتخاطب بين العقلاء. وقال الدكتور حسني المتعافي: إن السبع المثاني هي تعبير عن أسماء الله التي تأت مثنى وراء بعضهما مثل {وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}غافر20، وأن دراسة الاسمين يكون مع بعض وهكذا. ويوجد مقولات أخرى في تفسير الآية لسنا في صدد سردها جميعاً أو تقويمها وإنما لاحظنا أن القاسم المشترك بينها في التفسير هو انطلاقهم من أن دلالة كلمة (سبعاً) هي للتعداد وبناء على ذلك قاموا بتفسير الآية. تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ١٩١. أما نحن فلقد انطلقنا من وجود احتمال أن تكون دلالة كلمة (سبعاً) ليست عدداً. فقمنا بعملية سبر وتقسيم لمجموعة من الكلمات التي تبدأ بحرف (س، ب) وهي:
1 – سبح: من السعي والحركة، ومن ذلك السباحة وهي العوم في الماء، ومنه قوله تعالى: {لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}يس 40 فالملاحظ من دلالتها أنها تدل على الحركة والتغير المستمرين الدائمين.
لأنَّ الصَّلاة لا تصحُّ إلَّا بها وتُكرَّر في كلِّ ركعةٍ منها. لأنَّها تضمُّ غايات القرآن ومعانيه جميعها، كما تُثنَّى فيها قصص القرآن وأسراره وأحكامه، قال -تعالى-: (اللَّـهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ). [٨]
لأنَّ الله -تعالى- استثناها وميَّز بها رسالة الإسلام عن الرِّسالات السَّماويَّة الأخرى، [٩] [١٠] فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (والَّذي نَفسِي بيدِه، ما أُنزلَ في التَّوراةِ، ولا في الإنجيلِ، و لا في الزَّبورِ، ولا في الفُرقانِ مِثلِها، (يعني أمَّ القُرآنِ)، وإنَّها لسَبعٌ من المثانِي والقرآنُ العظيمُ الَّذي أُعطيتُه). [١١] [١٢]
لأنها تتضمَّن سبع آيات تُقرأ في كلِّ صلاةٍ. [٣] [١٣]
المعاني التي اشتملت عليها سورة الفاتحة
حمد الله تعالى والثَّناء عليه وتمجيده
ورد في سورة الفاتحة حمد الله -عزَّ وجل- بما يستحقّه، فلا يُحمد أحدٌ سواه، [١٤] بالإضافة إلى الثَّناء عليه وتعظيمه، وإرشاد النَّاس إلى ذلك في جميع جوانب حياتهم الدنيويَّة والأخرويَّة، والتَّوكُّل على الله -تعالى-، وابتغاء وجهه من أجل نيل مرضاته بإخلاص العمل له وحده، [١٥] وهو المُراد بقوله -تعالى-: (الْحَمْدُ لِلَّـهِ) ، [١٦] فيثني بها المسلم على الله -تعالى- بلسانه مريداً بذلك تعظيمه.