ذلك أن الله جلت قدرته، قد أودع في الإنسان أسراراً عديدة، وأغلبها غير ظاهر لكل الناس، وخاصة ما يتعلق بالعقيدة، ومحاسبة النفس، وما يرتبط بذلك من صفات، تنعكس أعمالها على أجر جزيل، إذا كانت النية حسنة، وصدرت في عقيدة إيمانية بالله جل وعلا، لأن تعاليم الإسلام وما فيها من توجيه حسن للنفس، ما هو إلا أدب مع الله سبحانه وحياء منه أن يراه على حالة لا ترضيه عز وجل. وهذه الحالة لا تبرز كعجيبة من عجائب النفس البشرية، إلا عند الفئة المؤمنة بربها، المستجيبة لشرع الله والصدور عنها في كل أمر ونهي، وبقدر تمسك الفرد بهذا المنهج، من حيث شكر المسلم لربه على ما أنعم به عليه، وحيائه منه عن العمل عما نهى عنه وذلك بجنوح النفس للمعصية لأن الرسول قد نهى العبد من أن يراه على ما نهي عنه وقال استحيوا من الله أن يراكم على ما نهاكم وسمى هذا شدة الحياء من الله، ولذا يجب على العبد مقابلة ربه بالشكر حيث قال سبحانه: {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} (7) سورة إبراهيم. ص91 - كتاب اصبر واحتسب - نعمة الصبر - المكتبة الشاملة. وشكر الله والاحتساب من الصبر على المصائب. ولابد من حسن الظن بالله، أن يطمع العبد في خصال ليعملها بحسن التوكل على الله، والخوف من عقابه مع حسن الظن بالله والاحتساب والصدق في النية واجتناب الغيبة والنميمة، والبعد عن أكل الحرام، ويكون بين الخوف والرجاء، لأن الله يقول: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي} (186) سورة البقرة.
الصبر عند فقد الأحبة - الشبكة الإسلامية - طريق الإسلام
نضع بين أيديكم بعض من احاديث عن الصبر على المصائب التي وردت في السنة النبوية الشريفة، للتعريف بأهمية الصبر على البلاء عند الوقوع في مشاكل أو مصائب شديدة. وأوصانا النبي محمد -صل الله عليه وسلم- بالصبر على البلاء والمصائب في الكثير من المواضع المختلفة، حيث تم ذكر الصبر وفضل التمسك به أو التحلي به في الأوقات الصعبة، غير أن الصابرين لهم جزاء وثواب عظيم عند الله عز وجل. الصبر على المصائب. عن أبي سعيد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنهما أن ناسا من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم ثم سألوه فأعطاهم حتى نفد ما عنده فقال (( لهم حين أنفق كل شيء بيده ما يكن من خير فلن أدخره عنكم ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله ومن يتصبر يصبره الله وما أعطى أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر)) رواه البخاري ومسلم. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( إذا مرض العبد بعث الله إليه ملكين فقال انظروا ما يقول لعواده فإن هو إذا جاؤوه حمد الله وأثنى عليه رفعا ذلك إلى الله وهو أعلم فيقول لعبدي علي إن توفيته أن أدخله الجنة وإن أنا شفيته أن أبدله لحما خيرا من لحمه ودما خيرا من دمه وأن أكفر عنه سيئاته)) رواه مالك وابن أبي الدنيا.
الصبر عند المصائب
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم. بيان أنواع الصبر
الحمد لله الواحد الصمد على إحسانه، والشكر لله على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جل عن الشبيه وعن المثيل، وعن الند وعن النظير: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، كل ذلك تعظيم لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن جسومكم على وهج النار لا تقوى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار. خطبة بعنوان: (الصبر على المصائب والمحن) بتاريخ 4-3-1433هـ. - الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار. الصبر على الطاعة
عباد الله: مر معنا أن الصبر أنواع أهمها: الصبر على طاعة الله، وذلك بالمحافظة والمداومة عليها، ومراعاة الإخلاص فيها، ومن تأمل ما يناله العبد المسلم، في مجاهدة نفسه وشيطانه وهواه؛ لأجل طاعة ربه ومولاه في فعل الأوامر واجتناب المناهي، وجد أن هذه المجاهدة مستلزمة لصبرٍ ومصابرة ومرابطة على ذكر الله، واستحضار رجاء جميل ثوابه، والخوف من أليم عقابه، وحسبكم بهذا الصبر عبادة، حسبكم بها عبادة توضع في ميزان العبد، ويرجو ثوابها عند الله.
الصبر على المصائب
وعلى إدراك نوازع النفس في الأمور الفكرية، والتجاوب مع الصفات المتفاعلة في النفس وحسن توجيهها، لما فيه المنفذ المفيد في الشفاء حيث يجدون في توجيهات التشريع الإسلامي الدواء النافع، في التغلب على المؤثرات النفسية، وتهدئتها مما ينتابها من اضطراب أو قلق عند وقع المصيبة. يقول ابن تيمية رحمه الله في كتابه: (أمراض القلوب وشفاؤها: والناس في الصبر أربعة أقسام: منهم من يكون فيه صبر بقسوة، ومنهم من يكون فيه رحمة بجزع، ومنهم من يكون فيه القسوة والجزع، والمؤمن المحمود الذي يصبر على ما يصيبه ويرحم الناس، وقد فطن طائفة من المصنفين في هذا الباب، أن الرضا عن الله، من توابع المحبة له، وهذا إنما يتوجه على المأخذ الأول، والرضا عنه سبحانه لاستحقاقه ذلك بنفسه، مع قطع العبد النظر عن خطئه بخلاف المأخذ الثاني وهو: الرضا بعلمه بأن المقتضي خير له، ثم أن المحبة متعلقة به. والرضا متعلق برضائه، لكن قد يقال: في تقرير ما قال هذا المصنف ونحوه أن المحبة لله نوعان: محبة له نفسه، ومحبة لما منّ به من الإحسان وكذلك الحمد له نوعان: حمد له على ما يستحقه بنفسه، وحمد على إحسانه لعبده فالنوعان للرضا كالنوعين للمحبة. وأما الرضا به، بدينه وبرسوله صلى الله عليه وسلم فذلك من حظ المحبة، لهذا أذكر وعن النبي صلى الله عليه وسلم برواية مسلم وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ثلاث من كنّ فيه، وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما إذا كان يحب المرء لا يحبه إلا لله، ومن كان يكره أن يرجع إلى الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار) وهذا يبين مكانة المحبة في الله (أمراض القلوب لابن تيمية ص 95 - 96).
ص91 - كتاب اصبر واحتسب - نعمة الصبر - المكتبة الشاملة
ومات الكثير من أصحابه الذين أحبَّهم وأحبّوه، فما فَتَّ ذلك في عضُدِه، ولا قلَّل من عزيمته وصبره. 4ـ وعلينا أن نُحْسِن ظنَّنا بربنا، كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رب العزة تبارك وتعالى أنه قال:(أنا عند ظن عبدي بي). فنثق بسعة رحمة الله، وأنّ أقداره الواقعة علينا كلها خير في حقيقة أمرها وإنْ كانت في ظاهرها مصائبَ مكروهةً وموجعةً، مصداقاً لقول الله تعالى: {وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ} (البقرة:216)، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:(عجبًا للمؤمن! لا يقضي الله له شيئًا إلا كان خيرًا له)(رواه أحمد). 5ـ وعلينا أن نتأسي بغيرنا من أهل المصائب، ونتذكَّر ما هم فيه من البلاء، وننظر إلى من هو أشدّ منا مصيبة، فإنّ ذلك يُذهب الأسى ويخفف الألم، ونتذكَّر قول الرسول صلى الله عليه وسلم (ومَن يتصبَّرْ يُصَبِّرْهُ الله). 6ـ وعلينا أن نتذكّر أنّ الابتلاءات والمحن والمصائب من دلائل الفضل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن أشد الناس بلاءً؟ قال:(الأنبياءُ، ثم الأمثل فالأمثل، فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلْبًا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة)(رواه الترمذي)، وأنها دليل على محبة الله تعالى، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (عِظَمُ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ)(رواه ابن ماجة والترمذي).
خطبة بعنوان: (الصبر على المصائب والمحن) بتاريخ 4-3-1433هـ. - الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار
وأما المرتبة الرابعة وهي مرتبة العجز فإنها مرتبة محرمة لما تتضمنه من الجزاء والتسخط وسوء الظن بالله -سبحانه وتعالى- والاعتراض على قدره. فلا يجوز للعبد إذا مسَّه ضر من البلاء والمصيبة أن يتجزع، ويتسخط على قدر الله -عز وجل-، وأن يعترض عليه فذلك محرم أشد التحريم، سواء كان ذلك بقلبه أو بلسانه أو بجوارحه وأركانه. وهو مأمور إما بالصبر عليها، وإما بالرضا والشكر لله -سبحانه وتعالى- على ما أجراه عليه من البلاء لما في عاقبته من عظيم النعماء. فاتقوا الله أيها المؤمنون في أنفسكم، وائتمروا بأمر شرعكم فيما يجري عليكم من أنواع المصائب والخطوب التي لا يسلم منها أحدٌ، فالناس كلهم ممسوسون بها، ولكنهم يتفاضلون بالمقامات التي يكونون فيها. وإن من خير الدواء قوله -صلى الله عليه وسلم-: " من يتصبر يصبره الله، وما أُعطي أحد عطاء أوسع ولا خير من الصبر "، فمن تصبر على ما ينزل به أعانه الله -سبحانه وتعالى- على الصبر. اللهم اجعلنا من عبادك الصابرين، واجعلنا من عبادك الشاكرين، واجعلنا من عبادك الراضين.
والضابط لهذه الأمور من الانفلات أولاً في قراءة القرآن، أو استماعه في وسائل الاعلام ألا بذكر الله تطمئن القلوب، وطواعية النفس مع النص الشرعي سواء بالقراءة أو السماع، واستجابة القلب إيماناً، ومراقبة الله في السر والعلن. فالبكاء على الميت مثلاً له حالتان: بكاء على وجه الرحمة، فهذا حسن مستحب وهذا لا ينافي الرضاء، وبكاء عليه لفوات الحظ منه كمن يقول: واكاسياه وامطعماه وغير ذلك وهذا هو المنهي عنه والمحظور شرعاً، ولهذا لما بكى صلوات الله وسلامه عليه بالدمع في عينه والحزن في قلبه، على ابنه إبراهيم عندما توفي قال: (إن هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده وإنما يرحم الله من عباده الرحماء) (رواه البخاري ومسلم. وقد روى عن الفضيل بن عياض لما مات ابنه علي أنه ضحك وقال: رأيت الله قضى فأحببت أن أرضى بما قضى الله به. قال ابن تيمية رحمه الله في هذا الموقف: فحالة حال حسن بالنسبة إلى أهل الجزع وأما رحمة الميت مع الرضا بالقضاء وحمد الله كحالة النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا أكمل قال تعالى: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} (17) سورة البلد. وأطباء القلوب أقدر من أطباء الأبدان على تحمل المصائب وتسلية أصحابها.