وقوله تعالى: ( ويصدون عن سبيل الله) أي: وهم مع أكلهم الحرام يصدون الناس عن اتباع الحق ، ويلبسون الحق بالباطل ، ويظهرون لمن اتبعهم من الجهلة أنهم يدعون إلى الخير ، وليسوا كما يزعمون ، بل هم دعاة إلى النار ، ويوم القيامة لا ينصرون. وقوله: ( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) هؤلاء هم القسم الثالث من رءوس الناس ، فإن الناس عالة على العلماء وعلى العباد وعلى أرباب الأموال ، فإذا فسدت أحوال هؤلاء فسدت أحوال الناس ، كما قال بعضهم: وهل أفسد الدين إلا الملوك وأحبار سوء ورهبانها ؟ وأما الكنز فقال مالك ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر أنه قال: هو المال الذي لا تؤدى منه الزكاة. وروى الثوري وغيره عن عبيد الله عن نافع ، عن ابن عمر قال: ما أدي زكاته فليس بكنز وإن كان تحت سبع أرضين ، وما كان ظاهرا لا تؤدى زكاته فهو كنز وقد روي هذا عن ابن عباس ، وجابر ، وأبي هريرة موقوفا ومرفوعا وعمر بن الخطاب ، نحوه - رضي الله عنهم -: أيما مال أديت زكاته فليس بكنز وإن كان مدفونا في الأرض ، وأيما مال لم تؤد زكاته فهو كنز يكوى به صاحبه وإن كان على وجه الأرض. الذين يكنزون الذهب والفضة. وروى البخاري من حديث الزهري ، عن خالد بن أسلم قال: خرجنا مع عبد الله بن عمر ، فقال: هذا قبل أن تنزل الزكاة ، فلما نزلت جعلها الله طهرا للأموال.
والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها..!
أما طلحة بن عبيد الله ـ الذي كان يتحلى بخاتم من ذهب فيه ياقوتة حمراء فقد ترك سيولة مالية قدرها (2, 2مليون درهم) وقيمة ما تركه من أصول عينية (30 مليون درهم) بالإضافة إلى (100 بهار) في كل (بهار) ثلاث قناطير من ذهب. الذين يكنزون الذهب والفضة – الموقع الرسمي | للدكتور المهندس محمد شحرور. وذلك طبقاً لما ورد في طبقات ابن سعد (3/ 1، 77 ،157:158)
أما عمرو بن العاص فاتح مصر "فقد ترك عند وفاته (70 بهاراً من الذهب) أي (140 أرديا من الذهب)!! طبقاً لما أورده المقريزي في الخطط (654, 1). والقاعدة القرآنية تجعل كنز المال وعدم إنفاقه في سبيل الله تعالى وقوعاً في التهلكة، "والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم، يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ماكنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون" وقد انطبقت هذه القاعدة عليهم وقتها، ويكفي أن نعرف أن أولئك السادة الأعلام كانوا رءوس الفتنة
أيها المسلمون يجب علينا جميعا العودة للقرآن وتعاليمه..
الذين يكنزون الذهب والفضة
والكنز هو نفس المكنوز، تسمية له بالمصدر، ويقال لمن كانت له بدانة: فلان كنز اللحم. قوله عز وجل: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ [التوبة:34]، سمي الذهب ذهباً لأنه يذهب، والفضة فضة لأنها تنفض فتتفرق، ومنه قوله تعالى: لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159]. قال بعض العلماء: الكنز كل مال وجبت فيه الزكاة فلم تؤد زكاته. وهو قول ابن عمر و جابر بن عبد الله و عكرمة و السدي رحمة الله عليهم أجمعين. والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها..!. وقال آخرون: هو كل مال زاد على أربعة آلاف درهم فهو كنز، أديت منه الزكاة أو لم تؤد. وهو قول علي رضي الله عنه. وقال آخرون: الكنز كل ما فضل من المال عن حاجة صاحبه إليه.
التفريغ النصي - سورة التوبة - الآية [34] - للشيخ عبد الحي يوسف
إعراب الآية رقم (33): {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)}. الإعراب: (هو) ضمير منفصل مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ (الذي) اسم موصول مبنيّ في محلّ رفع خبر (أرسل) فعل ماض، والفاعل هو (رسول) مفعول به منصوب والهاء ضمير مضاف إليه (بالهدى) جارّ ومجرور متعلّق ب (أرسل) الواو عاطفة (دين) معطوف على الهدى مجرور مثله (الحقّ) مضاف إليه مجرور اللام تعليليّة (يظهر) مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام، والفاعل هو والهاء ضمير مفعول به (على الدين) جارّ ومجرور متعلّق ب (يظهر)، (كلّ) توكيد للدين مجرور مثله والهاء مضاف إليه (ولو كره المشركون) مثل كره الكافرون. والمصدر المؤوّل (أن يظهره... ) في محلّ جرّ باللام متعلّق ب (أرسل). جملة: (هو الذي... ) لا محلّ لها استئنافيّة. وجملة: (أرسل... ) لا محلّ لها صلة الموصول (الذي). وجملة: (يظهره... ) لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ (أن) المضمر. وجملة: {لو كره المشركون} في محلّ نصب حال... وجواب لو محذوف دلّ عليه ما قبله أي: فسيظهر دين الحقّ على الدين كلّه.. إعراب الآية رقم (34): {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (34)}.
تفسير: (يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل)
وبعد: فإن فيما حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور قال: قال معمر: أخبرني سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من رجل لا يؤدي زكاة ماله إلا جعل يوم القيامة صفائح من نار يكوى بها جبينه وجبهته وظهره في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين الناس ثم يرى سبيله، وإن كانت إبلاً إلا بطح له بقاع قرقر تطؤه بأخفافها -حسبته قال: وتعضه بأفواهها - يرد أولاها على أخراها حتى يقضى بين الناس، وإن كانت غنماً فمثل ذلك إلا أنها تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها). يقول ابن جرير رحمه الله: وفي نظائر ذلك من الأخبار التي كرهنا الإطالة بذكرها الدلالة الواضحة على أن الوعيد إنما هو من الله على الأموال التي لم تؤد الوظائف المفروضة لأهلها من الصدقة، لا على اقتنائها واكتنازها، وفيما بينا من ذلك البيان الواضح على أن الآية لخاص كما قال ابن عباس. انتهى كلامه رحمه الله. قول الله عز وجل: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة:34]، أي: لا يؤدون زكاتها. ذكر الرازي رحمه الله شيئين وهما: الذهب والفضة، ثم قال: (ولا ينفقونها) فيه وجهان: الأول: أن الضمير عائد إلى المعنى، فهو كقوله تعالى: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا [الحجرات:9].
الذين يكنزون الذهب والفضة – الموقع الرسمي | للدكتور المهندس محمد شحرور
وأما الكَنز: فقال ابنُ عمر: هو المالُ الذي لا تؤدى منه زكاته، وقال أيضًا: ما أُدِّي زكاتُه فليس بكنز، وإن كان تحتَ سبع أرَضين، وما كان ظاهرًا لا تؤدَّى زكاته فهو كنز. ورَوى البخاريُّ عن خالد بن أسلم قال: خرَجنا مع عبدالله بن عمر فقال: هذا قبل أن تنزل الزكاة، فلما نزلَت جعَلها الله طُهرًا للأموال، وكذا قال عمر بن عبدالعزيز، وعِراكُ بن مالك؛ نسَخها قولُه تعالى: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾ [التوبة: 103]، وروى الإمامُ أحمدُ عن ثوبان قال: "لما نزل في الفضَّة والذهب ما نزل قالوا: فأيُّ المال نتَّخذ؟ قال عمر: أنا أعلم ذلك لكم، فأَوْضع على بعيرٍ فأدرَكه، وأنا في أثَره، قال: يا رسول الله، أيَّ مالٍ نتخذ؟ قال: ((ليتَّخذ أحدُكم قلبًا شاكرًا، ولسانًا ذاكرًا، وزوجةً تُعين أحدَكم في أمر آخرته))، ورواه الترمذي، وابن ماجه، وقال الترمذي: حسن. وقوله تعالى: ﴿ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ ﴾؛ أي: يقال لهم هذا الكلام تبكيتًا وتقريعًا وتهكمًا، كما في قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ * ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ ﴾ [الدخان: 48، 49]؛ أي: هذا بذاك، وهو الذي كنتم تكنزون لأنفسكم، ولهذا يقال: من أحب شيئًا وقدَّمه على طاعة الله، عذِّب به.
5- بيان عقوبة من يَكنز المال ولا ينفق منه في سبيل الله؛ وهي عقوبة شديدة. [1] رواه البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى. [2] عمدة التفاسير من الحافظ ابن كثير؛ الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى ج2 ص 162، 164. [3] رواه البخاري رحمه الله تعالى. [4] أيسر التفاسير؛ الجزائري ج1 ص548.