القول في تأويل قوله تعالى: ( ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع قليل ولهم عذاب أليم) [ ص: 314] اختلف القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الحجاز والعراق ( ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب) فتكون تصف الكذب ، بمعنى: ولا تقولوا لوصف ألسنتكم الكذب ، فتكون " ما " بمعنى المصدر. وذكر عن الحسن البصري أنه قرأ ( ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب) هذا بخفض الكذب ، بمعنى: ولا تقولوا للكذب الذي تصفه ألسنتكم ( هذا حلال وهذا حرام) فيجعل الكذب ترجمة عن " ما " التي في لما ، فتخفضه بما تخفض به " ما ". وقد حكي عن بعضهم: ( لما تصف ألسنتكم الكذب) يرفع الكذب ، فيجعل الكذب من صفة الألسنة ، ويخرج على فعل على أنه جمع كذوب وكذب ، مثل شكور وشكر. والصواب عندي من القراءة في ذلك نصب الكذب لإجماع الحجة من القراء عليه ، فتأويل الكلام إذ كان ذلك كذلك لما ذكرنا: ولا تقولوا لوصف ألسنتكم الكذب فيما رزق الله عباده من المطاعم: هذا حلال ، وهذا حرام ، كي تفتروا على الله بقيلكم ذلك الكذب ، فإن الله لم يحرم من ذلك ما تحرمون ، ولا أحل كثيرا مما تحلون ، ثم تقدم إليهم بالوعيد على كذبهم عليه ، فقال ( إن الذين يفترون على الله الكذب) يقول: إن الذين يتخرصون على الله الكذب ويختلقونه ، لا يخلدون في الدنيا ، ولا يبقون فيها ، إنما يتمتعون فيها قليلا.
أستاذ بجامعة الأزهر: الإسلام دين التيسير.. والتنطع مرفوض | بوابة أخبار اليوم الإلكترونية
و " ما " في قوله: ( لما) مصدرية ، أي: ولا تقولوا الكذب لوصف ألسنتكم.
الباحث القرآني
انْتَهى. وَقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: واللّامُ في قَوْلِهِ: ﴿لِتَفْتَرُوا عَلى اللَّهِ الكَذِبَ﴾ [النحل: ١١٦]، مِنَ التَّعْلِيلِ الَّذِي لا يَتَضَمَّنُ مَعْنى الفَرْضِ. اه. وكَثِيرٌ مِنَ العُلَماءِ يَقُولُونَ: هي لامُ العاقِبَةِ. والبَيانِيُّونَ يَزْعُمُونَ أنَّ حَرْفَ التَّعْلِيلِ كاللّامِ إذا لَمْ تُقْصَدْ بِهِ عِلَّةٌ غائِيَّةٌ؛ كَقَوْلِهِ: ﴿فالتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهم عَدُوًّا﴾ الآيَةَ [القصص: ٨]، وقَوْلِهِ هُنا: ﴿لِتَفْتَرُوا عَلى اللَّهِ الكَذِبَ﴾ [النحل: ١١٦]، أنَّ في ذَلِكَ اسْتِعارَةً تَبَعِيَّةً في مَعْنى الحَرْفِ. قالَ مُقَيِّدُهُ - عَفا اللَّهُ عَنْهُ -: بَلْ كُلُّ ذَلِكَ مِن أسالِيبِ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ. فَمِن أسالِيبِها: الإتْيانُ بِحَرْفِ التَّعْلِيلِ لِلدَّلالَةِ عَلى العِلَّةِ الغائِيَّةِ؛ كَقَوْلِهِ: ﴿وَأنْزَلْنا مَعَهُمُ الكِتابَ والمِيزانَ لِيَقُومَ النّاسُ بِالقِسْطِ﴾ الآيَةَ [الحديد: ٢٥]، ومِن أسالِيبِها الإتْيانُ بِاللّامِ لِلدَّلالَةِ عَلى تَرَتُّبِ أمْرٍ عَلى أمْرٍ؛ كَتَرَتُّبِ المَعْلُولِ عَلى عِلَّتِهِ الغائِيَّةِ. وهَذا الأخِيرُ كَقَوْلِهِ: ﴿فالتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ (p-٤٦٣)لِيَكُونَ لَهم عَدُوًّا وحَزَنًا﴾ [القصص: ٨]؛ لِأنَّ العِلَّةَ الغائِيَّةَ الباعِثَةَ لَهم عَلى التِقاطِهِ لَيْسَتْ هي أنْ يَكُونَ لَهم عَدُوًّا، بَلْ لِيَكُونَ لَهم قُرَّةَ عَيْنٍ؛ كَما قالَتِ امْرَأةُ فِرْعَوْنَ: ﴿قُرَّةُ عَيْنٍ لِي ولَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أنْ يَنْفَعَنا أوْ نَتَّخِذَهُ ولَدًا﴾ [القصص: ٩]، ولَكِنْ لَمّا كانَ كَوْنُهُ عَدُوًّا لَهم وحَزَنًا يَتَرَتَّبُ عَلى التِقاطِهِمْ لَهُ؛ كَتَرَتُّبِ المَعْلُولِ عَلى عِلَّتِهِ الغائِيَّةِ، عُبِّرَ فِيهِ بِاللّامِ الدّالَّةِ عَلى تَرْتِيبِ المَعْلُولِ عَلى العِلَّةِ.
وهو: أنه الحجُّ الذي وُفِّيَتْ أحكامُه، ووقع موافقًا لما طُلب من المكلَّف على الوجه الأكمل. والله تعالى أعلم. وقوله: "ليس له جزاء إلا الجنة" ؛ يعني: أنه لا يُقتصر فيه على مغفرة بعض الذنوب، بل لا بُدَّ لصاحبه من الجنة بسببه. ما معني الحج المبرور ؟؟ وما هو ثوابه ؟؟. والله تعالى أعلم". انتهى. وقال ابن الجوزيِّ -رحمه الله تعالى- في "كشف المــُشكِل:" "حج مبرور" وقد جاء في حديث آخر أنه قال: "الحج المبرور ليس له ثواب دون الجنة" قيل ما بِرُّه فقال "العَجُّ والثَجُّ" والعجُّ برفع الصوت بالتلبية، والثَجُّ نحر الإبل وغيرها، وأن يُثَجَّ دمُها، وهو سيلان الدم، فعلى هذا يكون معنى المبرور الذي قد أُقيمت فروضه وسننه، وفي حديث جابر قيل: يا رسول الله ما بِرُّ الحج؟ قال: "إطعام الطعام وإفشاء السلام" فيكون المراد -على هذا- فعلَ البِرِّ في الحج، وقيل المبرور المقبول. " انتهى. بناء عليه: فالحديث غير ثابت في أن الحج المبرور محصورٌ معناه في إطعام الطعام وإفشاء السلام، بل إن هذا من البِرِّ في الحج؛ لأن الحج المبرور هو الذي وُفِّيَتْ أحكامُه، ووقع موافقًا لما طُلب من المكلَّف على الوجه الأكمل، ورَجَعَ خَيْرًا مِمَّا كَانَ. والله تعالى أعلم.
الحج المبرور
مقالات متعلقة
تاريخ الإضافة: 29/10/2012 ميلادي - 14/12/1433 هجري
الزيارات: 40461
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:
فليس كل الناس يحج حجًا مبرورًا؛ إذ قد يعتري الحج ما يخرجه عن وصف البر؛ فمن الحج ما يجزئ عن صاحبه؛ ومنه ما يتحصل به الحاج على الثواب دون جزاء الحج المبرور؛ ومن الناس من يحج حجًا مبرورًا جزاؤه الجنة. ذكر صفة البر للحج:
ورد وصف الحج بالبر في عدد من الأحاديث منها:
(1) ما أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة". (2) وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قلت يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد؟ فقال: "لكن أفضل الجهاد حج مبرور" رواه البخاري. (3) وعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا بر الْحَجِّ ؟ قَالَ: الْعَج ، وَالثَّج. [مصنف ابن أبي شيبة]. الحج المبرور. معنى المبرور:
قال القرطبي في المفهم (11/ 15):
المبرور: اسم الحج، المبرور: اسم مفعول من: بُرَّ ، مبني لما لم يسم فاعله، فهو مبرور. وبَرَّ: يتعدى بنفسه. يقال: برَّ الله حجَّك. ويُبنى لما لم يسم فاعله، فيقال: بُرَّ حجُّك، فهو مبرور.
ما معني الحج المبرور ؟؟ وما هو ثوابه ؟؟
الفقه
الحج المطابق لحج النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - الذي لم يخالطه إثم. ومن شواهده عن أبي هريرة -رَضِيَ اللهُ عَنْه - أن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - قال: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة. " البخاري:1683. انظر: مواهب الجليل للحطاب، 4/227، حاشية الجمل على شرح المنهج، 2/440.
أداء طواف الوداع. أنواع مناسك الحج
للحج ثلاث مناسك لا يصح الحج بدونها:
حج التمتع: هو الإحرام من الميقات بنية العمرة في العشرة الأوائل من شهر ذو الحجة، ثم يحرم بنية الحج في الثامن من شهر ذو الحجة وأداء أركانه الصحيحة من الإحرام، والسعي، والطواف،
حج القرآن: هو أن يقوم الحاج بأداء مناسك الحج والعمرة معا، بنية القيام بحج وعمرة حيث قال الرسول عليه الصلاة والسلام: "طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة يكفيك لحجك ومرتك. " حج الإفراد: هو أن ينوي الحاج القيام بفريضة الحج فقط، ويقوم بأداء مناسك الحج فقط، ويعد حج الإفراد الأفضل مناسك الحج؛ حيث أن حجة النبي صلى الله عليه وسلم كانت حجة إفراد. وفي نهاية موضوعنا عن الحج فيجب أن نذكر فضل الحج وهو له أجر عظيم، ولكن يجب علينا إخلاص النية، والقيام بمناسكه بشكل صحيح.