أو كما يقوله من ينكر نبوة محمد صلى الله عليه وسلم. ويدخل في هذا الباب المباحث المتعلقة بالمعاد. وإن تطع أكثر من في الأرض. وثالثها: المباحث المتعلقة بالأحكام ، وهي كثيرة ، فإن الكفار كانوا يحرمون البحائر والسوائب والوصائل ويحللون الميتة ، فقال تعالى: ( وإن تطع أكثر من في الأرض) فيما يعتقدونه من الحكم على الباطل بأنه حق ، وعلى الحق بأنه باطل ( يضلوك عن سبيل الله) ، أي عن الطريق والمنهج الصدق. ثم قال: ( إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون) وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: المراد أن هؤلاء الكفار الذين ينازعونك في دينك ومذهبك غير قاطعين بصحة مذاهبهم ، بل لا يتبعون إلا الظن وهم خراصون كذابون في ادعاء القطع ، وكثير من المفسرين يقولون: المراد من ذلك الظن رجوعهم في إثبات مذاهبهم إلى تقليد أسلافهم لا إلى تعليل أصلا. المسألة الثانية: تمسك نفاة القياس بهذه الآية. فقالوا: رأينا أن الله تعالى بالغ في ذم الكفار في كثير من آيات القرآن بسبب كونهم متبعين للظن ، والشيء الذي يجعله الله تعالى موجبا لذم الكفار لا بد وأن يكون في أقصى مراتب الذم ، والعمل بالقياس يوجب اتباع الظن ، فوجب كونه مذموما محرما ، لا يقال: لما ورد الدليل القاطع بكونه حجة كان العمل به عملا بدليل مقطوع لا بدليل مظنون؛ لأنا نقول: هذا مدفوع من وجوه:
الأول: أن ذلك الدليل القاطع إما أن يكون عقليا ، وإما أن يكون سمعيا ، والأول باطل لأن العقل لا مجال له [ ص: 134] في أن العمل بالقياس جائز أو غير جائز ، لا سيما عند من ينكر تحسين العقل وتقبيحه.
القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة الأنعام - الآية 116
وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ 》🌹تلاوة خاشعة||رعد الكردي|| - YouTube
وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك - ملتقى الخطباء
ثم بين الله سبب ضلالهم وإضلالهم بأنهم ما يعتقدون ويدينون إلا عقائد ضالة ، وأديانا سخيفة ، ظنوها حقا لأنهم لم يستفرغوا مقدرة عقولهم في ترسم أدلة الحق ، فقال: ( إن يتبعون إلا الظن. والاتباع: مجاز في قبول الفكر لما يقال وما يخطر للفكر من الآراء والأدلة وتقلد ذلك ، فهذا أتم معنى الاتباع ، على أن الاتباع يطلق على عمل المرء برأيه كأنه يتبعه.
&Quot;وإن تطع أكثر من في الأرض!&Quot; - اكتب
والثاني: أن يكون المراد أن هؤلاء الكفار وإن أظهروا من أنفسهم ادعاء الجزم واليقين فهم كاذبون ، والله تعالى عالم بأحوال قلوبهم وبواطنهم ، ومطلع على كونهم متحيرين في سبيل الضلال تائهين في أودية الجهل. المسألة الثانية: قوله: ( إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) فيه قولان:
الأول: قال بعضهم " أعلم " هاهنا بمعنى يعلم والتقدير: إن ربك يعلم من يضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين. قلنا: لا شك أن حصول التفاوت في علم الله تعالى محال. "وإن تطع أكثر من في الأرض!" - اكتب. إلا أن المقصود من هذا اللفظ أن العناية بإظهار هداية المهتدين فوق العناية بإظهار ضلال الضالين ، ونظيره قوله تعالى: ( إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها) [ الإسراء: 7] فذكر الإحسان مرتين والإساءة مرة واحدة. والثاني: أن موضع " من " رفع بالابتداء ، ولفظها لفظ الاستفهام ، والمعنى إن ربك هو أعلم أي الناس يضل عن سبيله " قال " وهذا مثل قوله تعالى: ( لنعلم أي الحزبين أحصى) [ الكهف: 12] وهذا قول: المبرد والزجاج والكسائي والفراء.
والآية لم تقتض أن أكثر أهل الأرض مضلون ؛ لأن معظم أهل الأرض غير متصدين لإضلال الناس ، بل هم في ضلالهم قانعون بأنفسهم ، مقبلون على شأنهم ؛ وإنما اقتضت أن أكثرهم ، إن قبل المسلم قولهم ، لم يقولوا له إلا ما هو تضليل ؛ لأنهم لا يلقون عليه إلا ضلالهم ، فالآية تقتضي أن أكثر أهل الأرض ضالون بطريق الالتزام ؛ لأن المهتدي لا يضل متبعه ، وكل إناء يرشح بما فيه ، وفي معنى هذه الآية قوله تعالى في آية سورة العقود: ( قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث. واعلم أن هذا لا يشمل أهل الخطأ في الاجتهاد من المسلمين ؛ لأن المجتهد [ ص: 26] في مسائل الخلاف يتطلب مصادفة الصواب باجتهاده ، بتتبع الأدلة الشرعية ولا يزال يبحث عن معارض اجتهاده ، وإذا استبان له الخطأ رجع عن رأيه ، فليس في طاعته ضلال عن سبيل الله ؛ لأن من سبيل الله طرق النظر والجدل في التفقه في الدين. وقوله: يضلوك عن سبيل الله تمثيل لحال الداعي إلى الكفر والفساد من يقبل قوله ، بحال من يضل مستهديه إلى الطريق ، فينعت له طريقا غير الطريق الموصلة ، وهو تمثيل قابل لتوزيع التشبيه بأن يشبه كل جزء من أجزاء الهيئة المشبهة بجزء من أجزاء الهيئة المشبه بها ، وإضافة السبيل إلى اسم الله قرينة على الاستعارة ، وسبيل الله هو أدلة الحق ، أو هو الحق نفسه.
إن كثرة الأتباع من الجهلاء والبسطاء حول رأي معين، أو فكر معين، أو شخص معين، لا يدل أبداً على أنه هو الحق وأن الصواب معهم، بل الغالب يكون العكس هو الصحيح. وان تطع اكثر من في الارض يضلوك. وهذا ما أثبته الله في كثير من الآيات القرآنية كقوله تعالى: ( وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) [يوسف: 106]، وقوله: ( وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ) [الأعراف: 102]، وقال: ( بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ) [الأنبياء: 24]، وقال: ( أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا) [الفرقان:44]. ربما يقول البعض: هل معنى هذا أننا حينما نسمع بأن هذا القول هو قول أكثر العلماء أو مذهب جماهير أهل العلم أن هذا يدل على خطأ قولهم وعدم صوابه؟ نقول كلا؛ بل قولهم في الغالب هو الصحيح ومذهبهم هو الأرجح؛ لأن الله ذم الكثرة التي لا تعلم، ولا تعقل، ولا تؤمن، ولا تفهم، وليس الكثرة المؤمنة بالله، العالمة به، المتبعة لدينه ومنهجه. ولو تأملتم كل الآيات السابقة لوجدتم أن الله يذم الكثرة لا لمجرد أنها كثرة، وإنما يذم كثرتهم بسبب كفرهم وفسوقهم وإعراضهم عن منهج الحق والصد عن إتباعه، كما قال تعالى: ( لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) [يس: 7]، وقال: ( قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ) [الروم: 42]، فذمهم لشركهم وعدم إيمانهم لا لكثرتهم فقط.