الحمد لله. أولًا:
لا شك أن كل إنسان يوم القيامة يحاسب على ذنبه هو ، ولا يظلم ربك أحدًا ، ولا يحمل إنسان تبعة إنسان آخر ، كما في قوله تعالى: وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى الأنعام/164. القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة النجم - الآية 38. ولا شك أيضا في تمام عدل جل جلاله، وتنزهه عن ظلم أحد من عباده ، أدنى شيء من الظلم: وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا الكهف/49 ؛ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ يونس/44. وقد وعد الله جل جلاله عباده: أن كل إنسان إنما يحاسب بعمل نفسه، لا بعمل غيره، فإما أن يوبقه عمله، أو يعتقه من النار ؛ قال الله تعالى: كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ الطور/21، وقال تعالى: كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ المدثر/38. وما استشكله السائل من النصوص على هذا الأصل فلا إشكال فيها بحمد الله تعالى. فمن ذلك: أئمة الكفر والضلال، الذين دعوا الناس إلى الكفر، أو الضلال ، أو المعاصي، فتأثروا بهم ، وعملوا بأعمال السوء التي تعلموها من سادتهم وكبرائهم ؛ سوف يتحمل هؤلاء السادة والكبراء وزر من تبعهم على هذه الأعمال. وليس ذلك لأنهم يتحملون ذنب غيرهم ، ولا أنهم يزرون أوزار الناس؛ لا ، بل هم يتحملون وزر أنفسهم هم ، ووزر عمل الدعوة إلى الضلال، وسنن السوء التي سنوها للناس ، ويبقى إثم أتباعهم على السوء والمعاصي عليهم ؛ فلكل منهم حظه ونصيبه من عمله، وما اقترفت يداه.
القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة النجم - الآية 38
وإنما عُني بقوله ( أَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) الذي ضَمِن للوليد بن المغيرة أن يتحمل عنه عذاب الله يوم القيامة, يقول: ألم يُخْبَرْ قائل هذا القول, وضامن هذا الضمان بالذي في صحف موسى وإبراهيم مكتوب: أن لا تأثم آثمة إثم أخرى غيرها.
الباحث القرآني
حدثنا القاسم ، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو سفيان، عن معمر، عن همام، عن أبي هريرة نحوه.
وما ابتلي بهذا الدين أحد فأقامه إلا إبراهيم, قال الله ( وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى) فكتب الله له براءة من النار. حدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد ( وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى) ما فُرِض عليه. الباحث القرآني. وقال آخرون: وفى بما رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخبر الذيحدثنا أبو كُرَيب, قال: ثنا رشدين بن سعد, قال: ثني زيان بن فائد, عن سهل بن معاذ, عن أنس, عن أبيه, قال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: "أَلا أُخْبِرُكُمْ لِمَ سَمَّى اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَهُ الَّذِي وَفَّى؟ لأنَّهُ كَانَ يَقُولُ كُلَّمَا أَصْبَحَ وَأَمْسَى: فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ حَتَّى خَتَمَ الآيَةَ". وقال آخرون: بل وفى ربه عمل يومه. * ذكر من قال ذلك:حدثنا أبو كُرَيب, قال: ثنا الحسن بن عطية, قال: ثنا إسرائيل, عن جعفر بن الزبير عن القاسم, عن أبي أُمامة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى) قال: " أتدرون ما وَفَّى "؟ قالوا الله ورسوله أعلم, قال: وفَّى عَمَل يَوْمِهِ أرْبَعَ رَكعَات في النَّهارِ". وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: وفى جميع شرائع الإسلام وجميع ما أُمر به من الطاعة, لأن الله تعالى ذكره أخبر عنه أنه وفى فعم بالخبر عن توفيته جميع الطاعة, ولم يخصص بعضا دون بعض.