وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا) قوله تعالى: ( وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا). اعلم أنه تعالى أمر بخمسة أشياء أولا ، ثم أتبعه بالنهي عن ثلاثة أشياء وهي النهي عن الزنا ، وعن القتل إلا بالحق ، وعن قربان مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ، ثم أتبعه بهذه الأوامر الثلاثة فالأول قوله: ( وأوفوا بالعهد). واعلم أن كل عقد تقدم لأجل توثيق الأمر وتوكيده فهو عهد فقوله: ( وأوفوا بالعهد) نظير لقوله تعالى: ( ياأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود [ المائدة: 1] فدخل في قوله: ( أوفوا بالعقود) كل عقد من العقود كعقد البيع والشركة ، وعقد اليمين والنذر ، وعقد الصلح ، وعقد النكاح.
وزنوا بالقسطاس المستقيم - موقع سماحة الشيخ فوزي السيف
[ ص: 445] القول في تأويل قوله تعالى: ( وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا ( 35))
يقول تعالى ذكره: ( و) قضى أن ( أوفوا الكيل) للناس ( إذا كلتم) لهم حقوقهم قبلكم ، ولا تبخسوهم ( وزنوا بالقسطاس المستقيم) يقول:
وقضى أن زنوا أيضا إذا وزنتم لهم بالميزان المستقيم ، وهو العدل الذي لا اعوجاج فيه ، ولا دغل ، ولا خديعة. وقد اختلف أهل التأويل في معنى القسطاس ، فقال بعضهم: هو القبان. ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن بشار ، قال: ثنا صفوان بن عيسى ، قال: ثنا الحسن بن ذكوان ، عن الحسن ( وزنوا بالقسطاس المستقيم) قال: القبان. وقال آخرون: هو العدل بالرومية. حدثنا علي بن سهل ، قال: ثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد: القسطاس: العدل بالرومية. وزنوا بالقسطاس المستقيم - موقع سماحة الشيخ فوزي السيف. وقال آخرون: هو الميزان صغر أو كبر; وفيه لغتان: القسطاس بكسر القاف ، والقسطاس بضمها ، مثل القرطاس والقرطاس; وبالكسر يقرأ عامة قراء أهل الكوفة ، وبالضم يقرأ عامه قراء أهل المدينة والبصرة ، وقد قرأ به أيضا بعض قراء الكوفيين ، وبأيتهما قرأ القارئ فمصيب ، لأنهما لغتان مشهورتان ، وقراءتان مستفيضتان في قراء الأمصار. وقوله ( ذلك خير) يقول: إيفاؤكم أيها الناس من تكيلون له الكيل ، ووزنكم بالعدل لمن توفون له ( خير لكم) من بخسكم إياهم ذلك ، وظلمكموهم فيه.
تفسير: (وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا)
لنتأمل هاتين الآيتين الكريمتين، وما تضمنتهما من تناسق عددي مبهر يشهد على عظمة القرآن الكريم وأن ترتيب القرآن جاء بعلم وتقدير الله....
لو تأملنا آيات القرآن نلاحظ أن عبارات مهمة قد تكررت مرتين مثلاً في القرآن كله، مثل عبارة (القسطاس المستقيم)، والسؤال: هل هناك ترتيب معجز لمثل هذه العبارات أم أنه ترتيب عشوائي؟
بما أننا نعتقد أن القرآن هو كلام الله تعالى لابد أن نجد نظاماً معجزاً في ترتيب الكلمات القرآنية، وهذا ما سوف نكتشفه في هذه العبارة التي تأمر بدقة الوزن وعدم نقصان الناس حقوقهم، ولذلك لابد أن يكون فيها نظاماً دقيقاً. هذه العبارة تكررت مرتين في القرآن الكريم في الآيتين:
1- ( وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) [الإسراء: 35]. 2- ( وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ) [الشعراء: 182]. تفسير: (وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا). عندما ننظر إلى الآيتين للوهلة الأولى لا نرى أي نظام رقمي، ونظن أن هذه الآية قد وضعت بشكل عشوائي ولا يوجد أي ترتيب مقصود. ولكن عندما نتذكر أن الله تعالى قد رتب كلمات كتابه بالتناسق مع الرقم سبعة نكتشف بعض المفاجآت.
القسطاس المستقيم
رسم القرآن الكريم للمسلم صورة أخلاقية وسلوكية مثالية، وبنى شخصيته على قيم وأخلاقيات رفيعة، حتى يحظى برضا خالقه، وثقة كل المتعاملين معه، فتستقيم حياته، ويؤدي رسالته، ويسهم بفاعلية في بناء ونهضة مجتمعه، ويواجه بقوة وصلابة كل التجاوزات الأخلاقية، عملاً بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. والقرآن الكريم في بنائه الأخلاقي للإنسان جاء بكل ما هو راقٍ ومتحضر، وسما بسلوكه فوق كل الصغائر، ورسم له حياة تغلفها المعاني الإنسانية الرفيعة ليكون إنساناً سوياً متحضراً، قادراً على التعايش والتعاون مع كل المحيطين به، مترفعاً عن الصغائر، متجنباً للرذائل، مجسداً صورة حضارية لدينه، ملتزماً في سلوكه وأخلاقه وتعاملاته مع الناس جميعاً بما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال عنه خالقه "وإنك لعلى خلق عظيم". فضيلة إسلامية حث عليها القرآن الكريم في العديد من آياته، ليغرس في نفس المسلم كل المعاني الجميلة، ويوفر له حياة آمنة مطمئنة مع كل المحيطين به، إنها قيمة "الوفاء"، التي تجعل كل من يتحلى بها محل ثقة واحترام الآخرين، فعلى ضوئها يثق الأفراد والجماعات في بعضهم بعضا، وتجري العلاقات الإنسانية بينهم بروح الأخوة والمحبة، وقد تعددت النصوص القرآنية التي تحث على هذه الفضيلة منها قول الحق سبحانه: "يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود.. "، وقوله سبحانه: "وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا"، وقوله عز وجل: "وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون".
2- ( ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ) [عبس: 21]. نلاحظ أن رقم الآية الأولى هو 84 وهذا العدد من مضاعفات الرقم سبعة:
84 = 7 × 12
ونلاحظ أيضاً أن رقم الآية الثانية هو 21 وهو من مضاعفات الرقم سبعة:
الغريب أننا إذا قمنا بجمع عدد حروف الآيتين معاً (حسب رسم القرآن) نجد:
71 + 13 = 84 حرف وهو رقم الآية الأولى...
كذلك إذا قمنا بجمع عدد كلمات الآيتين سوف نجد:
18 + 3 = 21 كلمة وهو رقم الآية الثانية...
سبحان الله! ــــــــــــ
بقلم عبد الدائم الكحيل