بعضُ الكتَّابِ يستدلون بأشياء متشابهة، ولا يجمعون أطراف الأدلة في المسألة الواحدة، كما كان يفعل أهل البدع كالمرجئة، حيث اعتمدوا على نصوص الوعد وأهملوا نصوص الوعيد، وكالخوارج حيث عملوا بنصوص الوعيد وتركوا نصوص الوعد، ووفَّق الله أهل السنة أن جمعوا بين نصوص الوعد والوعيد وتوسطوا وهذه سِمَتُهُم، فهؤلاء الكتَّاب تجدهم يتشبثون ببعض المتشابه من النصوص، ويتركون المحْكَم.
- حديث لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة منتخبة تتولى منصب
حديث لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة منتخبة تتولى منصب
ولهذا فإن كثيرا من الناس يغتر الآن عندما يرى امرأة موفقة أو ناجحة في إدارتها لولاية عامة، (مع كون معيار الحكم على التوفيق والنجاح في حد ذاته خاضعا للأخذ والرد) يقول "هذه أفضل من مئة رجل"، ونقول له نحن لم نزعم أنه لا توجد من بين النساء من يمكنها أن تبلي بلاءا حسنا - في بعض أحوالها أو حتى فيما يغلب عليها من أحوال - في بعض الولايات العامة، ولكن النادر لا حكم له، والعبرة بالغلبة.. وخروج بعض أفراد العام من العموم لا ينفي ذلك العموم.. فالنساء أصلا ما خلقن من أجل هذا! حديث لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة منتخبة تتولى منصب. فإن رأينا رجلا يدخن السيجارة أربعين سنة متواصلة ولا يصاب بسرطان في الرئة - مثلا - لا نقول إن هذا دليل على بطلان قاعدة أن التدخين يسبب سرطان الرئة! فالحاصل أنه عندما يأتينا نص يفيد أنه لا يفلح من يولون أمورهم امرأة (هكذا بعموم)، ونص آخر يفيد أن امرأة بعينها كانت سديدة الرأي في حكم حكمته أو مقالة قالتها، (ولم ينص على أن قومها أفلحوا، فتأمل) فإن تلك المرأة قد تكون في هذه الواقعة المروية على حال خارجة عن ذلك العموم، بل وخارجة عما يغلب عليها هي نفسها من أحوال..
وكذلك فإن الحديث ينص على أن الذين يولون أمورهم امرأة لا يفلحون على اعتبار أنهم يضيعون الأمانة بذلك ولا يحسنون تقدير الأمور، إذ يوسدون الولايات العامة لمن ليست لهم وما خلقوا من أجلها!
فتأمل دقة لفظ الحديث إذ لم يقل: لن يفلح قوم تحكمهم امرأة، أو "تسلطت عليهم امرأة" ولكن قال لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة.. فهذا يدل على أن مجرد تولية أهل الحل والعقد منهم امرأة عليهم باختيارهم وجعلهم إياها على رأس البلاد = هو في حد ذاته من عدم فلاحهم!