ثم نقل الإمام ما ورد عن الحسن وقتادة ومالك بن أنس في رواية ابن وهب والفراء وثعلب "أن سليمان لما ندم على اشتغاله بالخيل حتى أضاع ذكر الله في وقت كان يذكر الله فيه أَمر أن تُرد عليه الخيل التي شغلته فجعل يعرقب سوقها ويقطع أعناقها لحرمان نفسه منها مع محبته إياها توبة منه وتربية لنفسه"، إلا أنه أورد ما استُشكل على هذا التفسير: "واستشعروا أن هذا فساد في الأرض وإضاعة للمال"، وأتبعه بنقل جواب هذا الاستشكال فقال: "فأجابوا: بأنه أراد ذبحها ليأكل الفقراء لأن أكل الخيل مباح عندهم وبذلك لم يكن ذبحها فساداً في الأرض". ثم ذكر رأي من لم ير هذا الوجه فقال:"وتجنب بعضهم هذا الوجه وجعل المسح مستعاراً للتوسيم بسمة الخيل الموقوفة في سبيل الله بكي نار أو كشط جلد لأن ذلك يزيل الجلدة الرقيقة التي على ظاهر الجلد، فشبهت تلك الإزالة بإزالة المسح ما على ظهر الممسوح من ملتصق به"،
وعلق على هذا التفسير بقوله: "وهذا أسلم عن الاعتراض من القول الأول، وهو معزو لبعض المفسرين في أحكام القرآن لابن العربي…"
وختم تعليقه بقوله:"وهذه طريقة جليلة من طرائق تربية النفس ومظاهر كمال التوبة بالنسبة إلى ما كان سبباً في الهفوة".
من فرائد ابن عاشور لقوله تعالى: (رُدُّوهَا عَلَيَّ ۖ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ) - إسلام أون لاين
توجيه وجوه تفسير حكاية الله تعالى مقولة سليمان عليه السلام: {رُدُّوهَا عَلَيَّ ۖ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} [ص:33]
بعد أن نقل ما ورد عن ابن عباس والزهري وابن كيسان وقطرب أن المعنى "طفق يمسح أعراف الخيل وسوقها بيده حباً لها"، علق الإمام ابن عاشور قائلاً: "وهذا هو الجاري على المناسب لمقام نبيء، والأوفق بحقيقة المسح". ثم بين ما يقتضيه هذا القول إذ قال:"ولكنه يقتضي إجراء ترتيب الجمل على خلاف مقتضى الظاهر بأن يكون قوله {رُدُّوهَا عَلَيَّ ۖ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} متصلاً بقوله {إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ} أي بعد أن استعرضها وانصرفوا بها لتأوي إلى مذاودها قال {رُدُّوهَا عَلَيَّ ۖ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} إكراماً لها ولحبها، ويجعل قوله {فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} معترضاً بينهما". ثم بين فائدة تقديم هذا القول المعترض بقوله:"وإنما قُدم للتعجيل بذكر ندمه على تفريطه في ذكر الله في بعض أوقات ذكره، أي أنه لم يستغرق في الذهول بل بادر الذكرى بمجرد فوات وقت الذكر الذي اعتاده، إذ لا يناسب أن يكون قوله {رُدُّوهَا عَلَيَّ ۖ فَطَفِقَ …} الخ من آثار ندمه وتحسره على هذا التفسير، وهذا يفيد أن فوات وقت ذكره نشأ عن ذلك الرد الذي أَمر به بقوله {رُدُّوهَا عَلَيَّ ۖ} فإنهم اعتادوا أن يعرضوها عليه وينصرفوا وقد بقي ما يكفي من الوقت للذكر، فلما حملته بهجته بها على أن أَمر بإرجاعها واشتغل بمسح أعناقها وسوقها خرج وقت ذكره فتندم وتحسر ".
فاستجبنا له, وذللنا الريح تجري بأمره طيِّعة مع قوتها وشدتها حيث أراد. وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ (38) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39)
وسخَّرنا له الشياطين يستعملهم في أعماله: فمنهم البناؤون والغوَّاصون في البحار، وآخرون, وهم مردة الشياطين, موثوقون في الأغلال. هذا المُلْك العظيم والتسخير الخاص عطاؤنا لك يا سليمان, فأعط مَن شئت وامنع مَن شئت, لا حساب عليك. وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (40)
وإن لسليمان عندنا في الدار الآخرة لَقربةً وحسن مرجع. وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41)
واذكر -أيها الرسول- عبدنا أيوب، حين دعا ربه أن الشيطان تسبب لي بتعب ومشقة، وألم في جسدي ومالي وأهلي. ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42)
فقلنا له: اضرب برجلك الأرض ينبع لك منها ماء بارد، فاشرب منه, واغتسِلْ فيذهب عنك الضر والأذى. وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لأُوْلِي الأَلْبَابِ (43)
فكشفنا عنه ضره وأكرمناه ووهبنا له أهله من زوجة وولد, وزدناه مثلهم بنين وحفدة, كل ذلك رحمة منَّا به وإكرامًا له على صبره، وعبرة وذكرى لأصحاب العقول السليمة؛ ليعلموا أن عاقبة الصبر الفرج وكشف الضر.
المتين
قال تعالى:
إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين "58" (سورة
الذاريات)
هو الله الرزاق ذو القوة المتين، وهو الذي لا تتناقص قوته. عن
ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ في قوله تعالى "المتين" يقول "الشديد". وفي
اللغة
يقال: هو متين القوي، ومن المجاز يقال: رأي متين. واسمه تعالى "المتين" يدل
على
القوة والقدرة والله سبحانه متم قدره، وبالغ أمره. وقد ذكر "المتين"
سبحانه، مرة
واحدة في الكتاب المبين في قوله تعالى:
إن الله هو
الرزاق ذو القوة المتين "58" (سورة الذاريات)
وعندما تتجمع القوة مع
القدرة ومع التقدير يكون التوازن العادل بإحسان، فكونه هو الخالق لكل شيء
بقدر. وهو
القادر على تنفيذ القدر مع تقدير للأمور فتكون القوة من شديد القوى
المحكمة. التي
لا تعرف التناقض، فقد تكون القوة وتنقصها حكمة التقدير، فيكون الإخلال في
المسير،
ولكن الله سبحانه وتعالى صاحب القوة ـ وهو شديد القوى حتى تعتدل الموازين
في دنيا
الأغيار، ويوم يقوم الأشهاد. [ عودة للقائمة الرئيسيّة]
ان الله هو الرزاق ذو القوة المتين 27 مرة
إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58) القول في تأويل قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58) يقول تعالى ذكره: إن الله هو الرزّاق خلقه, المتكفل بأقواتهم, ذو القوّة المتين. اختلفت القرّاء في قراءة قوله ( المَتِين), فقرأته عامة قرّاء الأمصار خلا يحيى بن وثاب والأعمش: ( ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) رفعا, بمعنى: ذو القوّة الشديد, فجعلوا المتين من نعت ذي, ووجهوه إلى وصف الله به. وقرأه يحيى &; 22-446 &; والأعمش ( المَتِين) خفضا, فجعلاه من نعت القوّة, وإنما استجاز خفض ذلك من قرأه بالخفض, ويصيره من نعت القوّة, والقوّة مؤنثة, والمتين في لفظ مذكر, لأنه ذهب بالقوّة من قوي الحبل (2) والشيء المبرم: الفتل, فكأنه قال على هذا المذهب: ذو الحبل القوي. وذكر الفراء أن بعض العرب أنشده: لكُــلّ دَهْــرٍ قَــدْ لَبِسْـتُ أثْؤُبَـا مِــنْ رَبْطَــةٍ واليُمْنَــةَ المُعصَّبـا (3) فجعل المعصب نعت اليمنة, وهي مؤنثة في اللفظ, لأن اليمنة ضرب وصنف من الثياب, فذهب بها إليه. والصواب من القراءة في ذلك عندنا ( ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) رفعا على أنه من صفة الله جلّ ثناؤه, لإجماع الحجة من القرّاء عليه, وأنه لو كان من نعت القوّة لكان التأنيث به أولى, وإن كان للتذكير وجه.
الله هو الرزاق ذو القوة المتين
نعلم جميعًا أن الدولة أعزها الله بطاعته، وبتوجيه مباشر من ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان حفظهما الله، جعلت المواطن السعودي في رأس اهتمامها، وقد قال الملك سلمان وفقه الله: (إن كل مواطن في بلادنا وكل جزء من أجزاء وطننا الغالي هو محل اهتمامي ورعايتي)، وكذلك فإن المواطن محل اهتمام ولي العهد الأمين الأمير محمد بن سلمان حفظه الله فهو القائل: (خدمة الوطن والمواطنين شرف عظيم ووسام نعتز به) وقال أيضًا حفظه الله (المواطن السعودي هو أعظم ما تملكه المملكة العربية السعودية). ولذلك فإن رؤية المملكة 2030 ركزت على كل أمر فيه العناية بالمواطن باعتباره كما قال ولي العهد حفظه الله (أعظم ما تملكه المملكة العربية السعودية)، ومن مجالات العناية توطين الوظائف. فحريٌ بكل موظف في الوزارات الخدمية أن يبذل جهده في تحقيق رؤية المملكة التي أمر بها ولاة أمرنا، لأن في ذلك مصلحة الوطن والمواطن، وطاعة لولي الأمر وفقه الله.
إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين
إن مصطلح الرزق يطلق على الفعل كما يطلق على مجاله أو مواده، وبالمعنى الثاني فهو جماع العناصر اللازمة للكائن للحفاظ علي بقائه في عالمه، والرزق بالمعنى الأول هو عملية سوق هذه المواد إلى الكائن لتكون في متناوله وذلك بعد أن يتم تخصيصها له.
ومن تفاصيل تلك الحلقة الاسم (ذُو الْقُوَّةِ)، وهو بعينه الاسم (القوي) الذي لم يرد أيضاً بمفرده وإنما ورد للإشارة إلي سمة يمكن أن ي فصل إليها المثني (الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ) والمثنى ( قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ) ، وذلك لتنوع وتعدد مجالات تلك السمة. ولا بدَّ لمن تكفَّـل لكل كائن برزقه من قوة هائلة لا يمكن تخيلها أو تصورها، فذلك الاسم من الأسماء الفعالة القوية شديدة التأثير. ومن تفاصيل تلك الحلقة الاسم (المتين)، فهو من نسق الأسماء الحسنى المفردة. والمتين هو الذي لا توجد في كيانه ثغرة أو تفاوت لأنه لا تركيب فيه، وهو ليس مكونا ً من وحدات أولية تتماسك بفعل قوى مادية، لذلك فتماسكه ذاتي لتماثل كيانه المطلق وليس بفعل أمر خارجي، وهذا التماثل هو تماثل مطلق وليس أمراً نسبياً كما هو الحال في كل ما هو من دونه، ويترتب على ذلك أن يكون هو السند والصمد والركن المتين. فالمتانة هي من لوازم الصمدية التي تشير إلى أن له البساطة المطلقة فليس ثمة تركيب في ذاته، وبالتالي فالمتانة هي ثباته المطلق على ما هو عليه وثبات كل ما هو له أو ما هو منسوب إليه، فالمتانة هي التماسك الشديد غير القابل للخرق إذ لا ثغرات فيه ولا تركيب.