فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج
الحج شعيرة من شعائر الإسلام، ودعامة مِن دعائمه العِظام، فرضَه الله مرةً في العام على المستطيع من أمة الإسلام. وقد بيَّنت الشريعة الإسلاميةُ شروطَ الحج وصفته وأركانه، وواجباته وسُننه، ومحظوراته ومُفسداته، وما يُخل به ويَنقصه، ومن ذلك: الرَّفث والفسوق والجدال بالباطل؛ قال تعالى: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ﴾ [البقرة: 197]. والمراد بالأشهر المعلومات هي: شوال، وذو القعدة، والعشر الأوائل من ذي الحجة. فمَن فرَض الحج في هذه الأشهر المعلومات - أي: أوجَب على نفسه إتمامه بالإحرام -: ﴿ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ﴾. (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) - تنومة. والرَّفث هنا: ذِكْرُ الجماع، ودواعيه؛ إما إطلاقًا، وإما في حضرة النساء؛ كما قال تعالى: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ﴾ [البقرة: 187]. وكذلك يَحرُم تعاطي دواعيه من المباشرة والتقبيل، ونحو ذلك، وكذا التكلم به بحضرة النساء. وقيل: الرَّفث الإفحاش بالكلام. والفسوق: إتيان المعاصي كبُرت أم صَغُرت. وأما الجدال في الحج فنوعان:
النوع الأول: الجدال الخاصة بمشاعر الحج ومواسمه وأعماله وصِفته، فهذا النوع قد وضَّحتْه الشريعة وبيَّنته غايةَ البيان، فلا يجوز الجدال في ذلك، بل يجب على المسلم أن يتأسَّى بنبيه صلى الله عليه وسلم في ذلك، وأن يحجَّ كما حجَّ.
- فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج - ملفات متنوعة - طريق الإسلام
- (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) - تنومة
- فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج
- وقل الحمد لله بصوت
- وقل الحمد لله الذي
- وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها
- وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا
فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج - ملفات متنوعة - طريق الإسلام
قال ابن كثير:
"والذين قالوا الفسوق ها هنا هو جميع المعاصي الصواب معهم، كما نهى
تعالى عن الظلم في الأشهر الحرم، وإن كان في جميع السنة منهيًا عنه،
إلا أنه في الأشهر الحرم آكد، ولهذا قال: {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ
ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ
أَنفُسَكُمْ} [سورة التوبة: 36]،
وقال في الحرم:
{وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ
مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [سورة الحج:
25]. فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج - ملفات متنوعة - طريق الإسلام. وقد ثبت في البخاري من حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم:
«من حج
لله، فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه»
[رواه البخاري]. {وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ}
والجدال في الحج هو المخاصمة والتنازع في مناسك الحج بما لا نفع فيه
مما يورث الضغائن والأحقاد، فإن الله تعالى بين هذه المناسك وأوضحها؛
فلا معنى بعد ذلك للخصومات والمراء، وقد ورد أن قريشًا إذا اجتمعوا
بمنى قال بعضهم: "حجنا أتم"، وقال آخرون: "بل حجنا أتم"، وورد أنهم
كانوا يتمارون في أيام الحج، فيقول بعضهم: "الحج اليوم"، فنهاهم الله
عن ذلك. وروى عن ابن مسعود وابن عباس رضي الله تعالى عنه قالا:
"الجدال في الحج:أن تمارى صاحبك
حتى تغضبه"، وعن ابن عمر رضي الله
تعالى عنه: "معناه:السباب
والمنازعة".
(فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) - تنومة
النوع الثاني: الجدال العام، وذلك بما يَحصُل بين الحجاج على أمور عامة، لا علاقةَ لها بالحج، فهذا الجدال أيضًا ينبغي تركُه؛ لأنه قد يُسبب الشَّحناء والفتنة أو المضاربة أو القتال. فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج. ولا مانع من أن يتحدَّث الحاج مع أخيه في شؤونه الخاصة وحاجاته، وأيضًا الحديث عن المسلمين وأحوالهم وأخبارهم في دول العالم المختلفة. وإذا أدَّى الحاج حجَّه على الصفة الشرعية، وصان حجَّه عما يُفسده أو يُخِلُّ به - ومن ذلك: اجتناب الرفث والفسوق والعصيان، والجدال بالباطل - غفَر الله له ذنبَه، ورجَع مِن حَجِّه خاليًا من الذنوب كيوم ولَدتْه أمُّه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ))؛ [رواه البخاري: 1690، ومسلم: 2404، واللفظ للبخاري]. مرحباً بالضيف
فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج
{وَلَا فُسُوقَ}
وإذا كان الفسوق منهياً عنه على الدوام فإن النهي عنه في الحج يكون
اشد وأعظم. والفسوق هو الخروج عن الطاعة, وتعدي حدود الله تعالى, وقد اختلف في
المراد به في الآية على أقوال:
الأول: التنابز بالألقاب, لقوله سبحانه وتعالى:
{وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ
الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ}
[سورة الحجرات: 11]. الثاني: السباب, لقوله صلى الله عليه وسلم: «سباب المسلم فسوق, وقتاله كفر»
[رواه البخاري ومسلم]. الثالث: الإيذاء والإفحاش, لقوله سبحانه وتعالى:
{وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ۚ وَإِن
تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ}
[سورة البقرة: 282]. الرابع: والذبح للأصنام, فإن أهل الجاهلية كانوا في حجهم يذبحون لأجل
الأصنام، وقد قال الله تعالي: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ
يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ}
[سورة الأنعام: 121]، وقوله:
{أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ}
[سورة الأنعام: 145]. الخامس: وهو الصحيح أن الفسوق في الآية يشمل جميع المعاصي،
قال ابن عمر رضي الله عنهما:
"الفسوق: ما أصيب من معاصي الله صيدا أو غيره"، وكان
يقول: "هو إتيان معاصي الله في الحرم".
وقال الشافعي وأحمد:
"تكفي النية في الإحرام بالحج". {فَلَا رَفَثَ}
[سورة البقرة: 197]. أي من أحرم بالحج أو العمرة فعليه أن يجتنب الرفث، وهو: الجماع لقوله
{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ
نِسَائِكُمْ} [سورة البقرة: 187]،
ومقدمات الجماع ودواعيه من المباشرة والضم والتقليل ونحو ذلك. والإفحاش إلى المرأة بالكلام في شأن الجماع كأن يقول لها: "إذا أحللت
أصبتك وفعلت بك كذا وكذا". فالرفث على ذلك: "اسم جامع لكل لغو، وفجر من الكلام، ومغازلة النساء ،
ومداعبتهن والتحدث في شأن الجماع". قال الشيخ ابن عثيمن رضي الله تعالى عنه:
"والجماع أشد محظورات الإحرام
تأثيرا على الحج، وله حالان:
الأول: أن يكون قبل التحلل الأول -أي قبل رمي جمرات العقبة والحلق
وطواف الإفاضه يوم النحر-فيترتب عليه شيئان:
أ- وجوب الفدية، وهي بدنة أو بقرة تجزي في الأضحية، يذبحها ويفرقها
كلها على الفقراء، ولا يأكل منها شيئا. ب- فساد الحج الذي حصل فيه الجماع، لكن يلزم إتمامه وقضاؤه من السنة
القادمة بدون تأخير. ولا يفسد النسك في باقي المحظورات. الثاني: أن يكون الجماع بعد التحلل الأول، أى بعد رمي جمرة العقبة
والحلق وقبل طواف الإفاضة، فالحج صحيح، لكن يلزمه شيئان -على المشهور
من المذهب-:
أن يخرج إلى الحل، أي: إلى ما وراء حدود الحرم، فيجدد إحرامه، ويلبس
إزارًا ورداء، ليطوف للإفاضة محرما.
13-10-2013
يقول الله تبارك وتعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ}. لما ذكر سبحانه وتعالى الحج والعمرة في قوله: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ}، بيّن اختلافهما في الوقت: فجميع السنة وقت للإحرام بالعمرة، ووقت العمرة، وأما الحج فيقع في السنة مرة، فلا يكون في غير هذه الأشهر، ولم يسم الله تعالى أشهر الحج في كتابه؛ لأنها كانت معلومة عندهم، ولفظ الأشهر قد يقع على شهرين وبعض الثالث؛ لأن بعض الشهر يتنزل منزلة كله. قوله: {فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ}، أي: ألزم نفسه بالشروع فيه بالنية قصداً باطناً، وبالإحرام فعلاً ظاهراً، وبالتلبية نطقاً مسموعاً. قوله: {فَلاَ رَفَثَ}، قال ابن عباس، وسعيد بن جبير، وقتادة، والحسن، وعكرمة، والزهري، ومجاهد، ومالك: الرفث: الجماع؛ أي: فلا جماع؛ لأنه يفسده، وأجمع العلماء على أن الجماع قبل الوقوف بعرفة مفسد للحج، ورتّبوا عليه أربعة أمور أخرى، وهي: الإثم، ولزوم المضي فيه، وبدنة، والحج في العام القابل.
القول في تأويل قوله تعالى: ( وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون ( 93)) [ ص: 512]
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ( قل) يا محمد لهؤلاء القائلين لك من مشركي قومك: ( متى هذا الوعد إن كنتم صادقين): ( الحمد لله) على نعمته علينا بتوفيقه إيانا للحق الذي أنتم عنه عمون ، سيريكم ربكم آيات عذابه وسخطه ، فتعرفون بها حقيقة نصحي كان لكم ، ويتبين صدق ما دعوتكم إليه من الرشاد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو ، قال: ثنا أبو عاصم ، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث ، قال: ثنا الحسن ، قال: ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله: ( سيريكم آياته فتعرفونها) قال: في أنفسكم ، وفي السماء والأرض والرزق. حدثنا القاسم ، قال: ثنا الحسين ، قال: ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قوله: ( سيريكم آياته فتعرفونها) قال: في أنفسكم والسماء والأرض والرزق. وقوله: ( وما ربك بغافل عما تعملون) يقول تعالى ذكره: وما ربك يا محمد بغافل عما يعمل هؤلاء المشركون ، ولكن لهم أجل هم بالغوه ، فإذا بلغوه فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون. يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: فلا يحزنك تكذيبهم إياك ، فإني من وراء إهلاكهم ، وإني لهم بالمرصاد ، فأيقن لنفسك بالنصر ، ولعدوك بالذل والخزي.
وقل الحمد لله بصوت
تفسير: (وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك)
♦ الآية: ﴿ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا ﴾. ♦ السورة ورقم الآية: الإسراء (111). ♦ الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي: ﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ ﴾ لم يكن له وليٌّ ينصره ممَّن استذلَّه من البشر ﴿ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا ﴾ عظمه عظمةً تامَّةً. ♦ تفسير البغوي "معالم التنزيل": ﴿ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا ﴾ أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يحمده على وحدانيته، ومعنى الحمد لله هو: الثناء عليه بما هو أهله؛ قال الحسين بن الفضل: يعني: الحمد لله الذي عرفني أنه لم يتخذ ولدًا. ﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ ﴾ قال مجاهد: لم يذل فيحتاج إلى وليٍّ يتعزَّز به ﴿ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا ﴾؛ أي: وعظِّمْه عن أن يكون له شريك أو ولي. أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي، أخبرنا الإمام أبو الطيب سهل بن محمد بن سليمان، حدثنا أبو العباس الأصم، حدثنا محمد بن يعقوب، حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني، حدثنا نضر بن حماد أبو الحارث الوراق، حدثنا شعبة، عن حبيب بن أبي ثابت، قال: سمِعتُ سعيد بن جبير يُحدِّث عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أول من يُدْعى إلى الجنة يوم القيامة الذين يحمدون الله في السراء والضراء)).
وقل الحمد لله الذي
أخبرنا عبدالواحد بن أحمد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبدالله النعيمي، أخبرنا أحمد بن عبدالله الصالحي، أخبرنا أبو الحسن بن بشران، أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار، أخبرنا أحمد بن منصور الرمادي، أنبأنا عبدالرزاق، حدثنا معمر، عن قتادة، أن عبدالله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الحمد لله رأس الشكر، ما شكر الله عبدٌ لا يحمده)). أخبرنا أبو الفضل بن زياد بن محمد الحنفي، أخبرنا أبو محمد عبدالرحمن بن أحمد الأنصاري، أخبرنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد، حدثنا يحيى بن خالد بن أيوب المخزومي، حدثنا موسى بن إبراهيم بن كثير بن بشر الخزامي الأنصاري، عن طلحة بن خراش، عن جابر بن عبدالله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أفضل الدعاء الحمد لله، وأفضل الذكر لا إله إلا الله)). أخبرنا عبدالواحد بن أحمد المليحي، أخبرنا عبدالرحمن بن أبي شريح، أخبرنا أبو القاسم عبدالله بن محمد بن عبدالعزيز البغوي، حدثنا علي بن الجَعْد، حدثنا زهير، حدثنا منصور، عن هلال بن بشار، عن الربيع بن عميلة، عن سمرة بن جندب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أحب الكلام إلى الله تعالى أربع: لا إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، لا يضرك بأيهنَّ بدأت)).
وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها
وقد جاءت خاتمة جامعة بالغة أقصى حد من بلاغة حسن الختام.
وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا
والسين تؤذن بأنها إراءة قريبة ، فالآيات حاصلة في الدنيا مثل الدخان ، وانشقاق القمر ، واستئصال صناديدهم يوم بدر ، ومعرفتهم إياها تحصل عقب حصولها ولو في وقت النزع والغرغرة. وقد قال أبو سفيان ليلة الفتح: لقد علمت أن لو كان مع الله إله غيره لقد أغنى عني شيئا. وقال تعالى ( سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق). فمن الآيات في أنفسهم إعمال سيوف المؤمنين الذين كانوا يستضعفونهم في أعناق سادتهم وكبرائهم يوم بدر. قال أبو جهل وروحه في الغلصمة يوم بدر ( وهل أعمد من رجل قتله قومه) يعني نفسه وهو ما لم يكن يخطر له على بال. [ ص: 59] وقوله وما ربك بغافل عما تعملون قرأه نافع وابن عامر وحفص وأبو جعفر ويعقوب " تعملون " بتاء الخطاب فيكون ذلك من تمام ما أمر الرسول عليه الصلاة والسلام بأن يقوله للمشركين. وفيه زيادة إنذار بأن أعمالهم تستوجب ما سيرونه من الآيات. والمراد: ما يعملونه في جانب تلقي دعوة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وقرآنه ؛ لأن نفي الغفلة عن الله مستعمل في التعريض بأنه منهم بالمرصاد لا يغادر لهم من عملهم شيئا. وقرأ الباقون ( يعملون) بياء الغيبة فهو عطف على " قل " والمقصود تسلية الرسول عليه السلام بعدما أمر به من القول بأن الله أحصى أعمالهم وأنه مجازيهم عنها فلا ييأس من نصر الله.
وقال شعبة عن أشعث بن أبي سليم عن الأسود بن هلال ، عن ابن مسعود: لم يخافت بها من أسمع أذنيه. قال ابن جرير: حدثنا يعقوب ، حدثنا ابن علية ، عن سلمة بن علقمة ، عن محمد بن سيرين قال: نبئت أن أبا بكر كان إذا صلى فقرأ خفض صوته ، وأن عمر كان يرفع صوته ، فقيل لأبي بكر: لم تصنع هذا ؟ قال: أناجي ربي - عز وجل - وقد علم حاجتي. فقيل: أحسنت. وقيل لعمر: لم تصنع هذا ؟ قال: أطرد الشيطان ، وأوقظ الوسنان. قيل أحسنت. فلما نزلت: ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا) قيل لأبي بكر: ارفع شيئا ، وقيل لعمر: اخفض شيئا. وقال أشعث بن سوار ، عن عكرمة ، عن ابن عباس: نزلت في الدعاء. وهكذا روى الثوري ، ومالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة: نزلت في الدعاء. وكذا قال مجاهد ، وسعيد بن جبير ، وأبو عياض ، ومكحول ، وعروة بن الزبير. وقال الثوري عن [ ابن] عياش العامري ، عن عبد الله بن شداد قال: كان أعراب من بني تميم إذا سلم النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: اللهم ارزقنا إبلا وولدا. قال: فنزلت هذه الآية: ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها) [ ص: 130]
قول آخر: قال ابن جرير: حدثنا أبو السائب ، حدثنا حفص بن غياث ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، نزلت هذه الآية في التشهد: ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها)
وبه قال حفص ، عن أشعث بن سوار ، عن محمد بن سيرين ، مثله.