وفي سنن أبي داود، من رواية عوف بن مالك: أن رجلين تحاكما إلى
النبي صلى الله عليه وسلم فقال المقضي عليه: حسبي الله ونعم
الوكيل. فقال النبي صلى الله عليه وسلم "إن الله يلوم على العجز، ولكن عليك بالكيس، فإذا
غلبك أمر فقل: حسبي الله ونعم الوكيل" . وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
"المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن
الضعيف وفي كُلٍّ خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن
غلبك أمر فلا تقل: لو أني فعلت لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله
وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان " . لا تعجز عن مأمور ولا تجزع من مقدور.
ومن الناس من يجمع كلا الشرين؛ فَأَمَر النبي صلى الله عليه وسلم
بالحرص على النافع والاستعانة بالله، والأمر يقتضي الوجوب، و إلا
فالاستحباب. وما عند الله خيرٌ وأبقى.. – جريدة نورت. ونَهَي عن العجز، وقال "إن الله يلوم
على العجز" ، والعاجز ضد الذين هم ينتصرون، والأمر بالصبر
والنهي عن الجزع معلوم في مواضع كثيرة. وذلك لأن الإنسان بين أمرين: أمر أُمِرَ بفعله، فعليه أن يفعله
ويحرص عليه، ويستعين الله ولا يعجز، وأمر أصيب به من غير فعله، فعليه
أن يصبر عليه ولا يجزع منه؛ ولهذا قال بعض العقلاء ابن المقفع أو غيره
الأمر أمران: أمر فيه حيلة فلا تعجز عنه.
وما عند الله خيرا وابقى | 22 نوفمبر، 2017
{ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} للحساب، وقد علم أنه لم يقدم خيرا لنفسه، وإنما قدم جميع ما يضره، وانتقل إلى دار الجزاء بالأعمال، فما ظنكم إلى ما يصير إليه؟ ، وما تحسبون ما يصنع به؟ فليختر العاقل لنفسه، ما هو أولى بالاختيار، وأحق الأمرين بالإيثار. أيها المسلمون
روى الترمذي في سننه بسند صححه: ( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: « مَا الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ فِي الْيَمِّ فَلْيَنْظُرْ بِمَاذَا يَرْجِعُ ». فإياك أن تغتر بمتاع الدنيا ، لأنه لا محالة زائل ، وسرعان ما ينكشف عنك غروره ، وإياك أن تهمل سلعة الله ، التي ستبقى معك أمداً سرمداً في نعيم مقيم ، أيستوي جاهل فرح بمتاع سرعان ما سيزول؟ ، وعبد صالح أعد للآخرة عدتها واشترى سلعة الله الباقية ؟ ، هل يستوي منصب مهما كبر؟ ، أو ملك مهما بلغ؟ ، مع جنات عدن ونعيمها ؟، فكن من ملوك الآخرة ، ولا تغتر بملك الدنيا بأسرها ،فهو لا محالة زائل, ثم تعقبه حسران وسؤال وحساب.
وما عند الله خيرٌ وأبقى.. – جريدة نورت
{ { فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}} لذة منغصة منقطعة. { { وَمَا عِنْدَ اللَّهِ}} من الثواب الجزيل، والأجر الجليل، والنعيم المقيم { { خَيْرٌ}} من لذات الدنيا، خيرية لا نسبة بينهما { { وَأَبْقَى}} لأنه نعيم لا منغص فيه ولا كدر، ولا انتقال. وما عند الله خيرا وابقى | 22 نوفمبر، 2017. ثم ذكر لمن هذا الثواب فقال: { { لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}} أي: جمعوا بين الإيمان الصحيح، المستلزم لأعمال الإيمان الظاهرة والباطنة، وبين التوكل الذي هو الآلة لكل عمل، فكل عمل لا يصحبه التوكل فغير تام، وهو الاعتماد بالقلب على الله في جلب ما يحبه العبد، ودفع ما يكرهه مع الثقة به تعالى. { { وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ}} والفرق بين الكبائر والفواحش -مع أن جميعهما كبائر- أن الفواحش هي الذنوب الكبار التي في النفوس داع إليها، كالزنا ونحوه، والكبائر ما ليس كذلك، هذا عند الاقتران، وأما مع إفراد كل منهما عن الآخر فإن الآخر يدخل فيه. { { وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ}} أي: قد تخلقوا بمكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، فصار الحلم لهم سجية، وحسن الخلق لهم طبيعة حتى إذا أغضبهم أحد بمقاله أو فعاله، كظموا ذلك الغضب فلم ينفذوه، بل غفروه، ولم يقابلوا المسيء إلا بالإحسان والعفو والصفح.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
ا لخطبة الثانية ( وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى)
وفي هذه الآية الكريمة يخبرنا الله تعالى عن حقارة الدنيا ، وما فيها من الزينة الدنيئة والزهرة الفانية بالنسبة إلى ما أعده الله لعباده الصالحين في الدار الآخرة من النعيم العظيم المقيم، قال الله تعالى: {مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ} (70) يونس ، نعم هو مجرد متاع. وهو متاع قصير الأمد. وهو متاع مقطوع لأنه لا يتصل بالمتاع اللائق بالبشرية في الدار الآخرة، إنما يعقبه، { الْعَذَابَ الشَّدِيدَ} ثمرة للانحراف عن سنن الله الكونية المؤدية إلى المتاع العالي اللائق ببني الإنسان. وفي قوله تعالى: {وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ* أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} (60-61) القصص ، وقوله تعالى: {يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} (39) غافر ، إنها المفاضلة بين هذا وذاك ، وهي تحتاج إلى عقل يدرك طبيعة هذا وذاك.
بتصرّف. ↑ سورة المجادلة، آية:3-4
↑ البغوي، أبو محمد، كتاب تفسير البغوي ، صفحة 51-54. بتصرّف. ↑ سورة المجادلة، آية:5-6
↑ أبو حيان الأندلسي، كتاب البحر المحيط في التفسير ، صفحة 124-125. بتصرّف. ↑ سورة المجادلة، آية:14-19
^ أ ب ت ث عبد الرحمن السعدي، كتاب تفسير السعدي ، صفحة 845-847. بتصرّف. ↑ سورة المجادلة، آية:20-22
↑ سورة المجادلة، آية:7
↑ سورة المجادلة، آية:8-10
↑ سورة المجادلة، آية:11
↑ سورة المجادلة، آية:12-13
القرآن الكريم - تفسير القرطبي - تفسير سورة المجادلة - الآية 9
والنشوز في المجلس هو القيام عند الحاجة لذلك؛ كحصول أمر طارئ يستدعي قيام الجالسين، ولهذه الآداب آثار فاضلة على المجتمع، وهي من سمة أهل العلم والإيمان. [٩]
تقديم الصدقة عند مناجاة الرسول
قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ* أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّـهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّـهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ). [١٤] أمر الله -تعالى- المؤمنين أن يُقدّموا صدقةً عند إرادتهم سؤال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عن أمرٍ ما، ولكنّ هذا الأمر نُسخ وأُلغي، وأرشد الله -عزّ وجلّ- عباده للالتزام بالصّلاة، وإخراج الزكاة، وبطاعته ونبيّه. [٣]
المراجع ↑ جعفر شرف الدين (1999)، كتاب الموسوعة القرآنية خصائص السور (الطبعة الأولى)، بيروت: دار التقريب بين المذاهب الإسلامية، صفحة 161. ↑ سورة المجادلة، آية:1-2
^ أ ب ت ث ج ح ابن الجوزي، كتاب زاد المسير في علم التفسير ، صفحة 241-250.
[٥]
تفسير الآيات المتعلقة بغير المسلمين
تعرّضت سورة المجادلة في بعض آياتها للحديث عن الكافرين وعن نتيجة موالاتهم وعن مصيرهم في الآخرة، وتفصيل ذلك فيما يأتي:
عقوبة معاداة الله وسوله
قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ* يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّـهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّـهُ وَنَسُوهُ وَاللَّـهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ). [٦] يُبيّن الله -عزّ وجلّ- في هذه الآيات أنّ الذين يعادون الله ورسوله ويخالفون أمرهم سيُخزون ويخذَلون كما خُذل وأخزي من عادى الأنبياء قبلهم، فالله -تعالى- أنزل آيات تُبرهن على صدق رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، وحذّر من يكفر بهذه الآيات ويجحد بالعذاب الذي يهينه ويُذلّه. ويكون هذا الجزاء للكافرين جميعًا أمام بعضهم ليزيد في خزيهم وخجلهم، حيث يبعثهم الله -تعالى- ويُذكّرهم بأعمالهم التي كتبها وأحصاها عليهم.